الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

حكاياتي مع بيت البرامج (2)

حكاية التأسيس…

د. محمد عبدالرحيم يسن



عندما أمضي بالذاكرة خطوة أبعد نحو البدايات الأولى لبيت البرامج، أجد أن سؤال التأسيس لم يكن بسيطا ولم يكن الطريق مفروشا بأي شكل من أشكال الجاهزية التقنية. كانت الفكرة أقرب إلى مغامرة واعية تقوم على الإيمان بأن البرمجيات يمكن أن تصنع وتطور محليا، وأن المؤسسات العامة والخاصة تستحق حلولا تنبع من واقعها.
في أوائل التسعينات، كان المشهد التقني محدودا ومتشظيا في آن واحد،
الأجهزة رغم اثمانها الباهظة شقت طريقها نحو المؤسسات تراوحت بين الاجهزة المتوسطة والكبيرة والتي تسمى بالمين فريم، بينما بدأت أجهزة الكمبيوتر المكتبية في الانتشار بوتيرة اسرع من سابقاتها. كانت نظم التشغيل لتلك الأجهزة تدور بين دوز ولينيكس ، مع بدايات خجولة لويندوز دون أن يكون له حضور مستقر ، فوق ذلك كانت هنالك عقبة لغات التطوير المعقدة وقواعد البيانات محدودة القدرات، بالإضافة الى تحدي التعريب فالواجهات والأنظمة لم تكن تستوعب اللغة العربية بسهولة، مما جعل تطوير أي نظام محلي مهمة مضاعفة الجهد.
وفي نفس ذلك الزمن، كانت هنالك كليات حاسوب قليلة تخرج أعداد محدودة من طلاب علوم الحاسوب ليس كما نشهد اليوم. كما كانت المعرفة العامة للحاسوب شحيحة ، والتدريب الاحترافي نادر، والمصادر قليلة.
مع ذلك، كان الطلب يتزايد على حلول برمجية تساعد المؤسسات على إدارة أعمالها.
في خضم هذه البيئة المتواضعة تأسس “بيت البرامج”. لم يكن تأسيسه مجرد فكرة تجارية، بل كان استجابة مباشرة لحاجة السوق.
المؤسسات العامة والخاصة تبحث عن، أنظمة الحسابات لضبط مواردها ومعاملاتها.
وأنظمة شؤون الموظفين لإدارة الرواتب والإجازات والملفات الوظيفية.
وأنظمة المخازن لتنظيم الأصول وحركة المواد.كما بدأت المصارف تبحث عن أنظمة مصرفية محلية نابعة من البيئة المحلية تلتزم بضوابها واحكامها التنظيمية.
كان واضحا أن السوق يعرف مشكلاته، لكنه لا يعرف الحلول، وتصدى “بيت البرامج” للمهمة رغم صعوبتها،
وآمن أن الحلول يمكن بناؤها خطوة خطوة، وبأيد محلية.
وبدأ المشوار رفقة بعض الشركات الوطنية، هكذا بدأت أولى اللبنات…
مجموعة صغيرة من المبرمجين ، أدوات متواضعة، بيئة تشغيل صعبة، مقابل حماس كبير لإثبات أن صناعة البرمجيات ليست حكرا على الخارج، وقد كان.

١٧ نوفمبر ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!