مكي المغربي
في الملف الأمريكي توجد مخدرات من أجود الأصناف لصانع القرار السوداني، آخرها وهمة “وجود خلاف بين السي آي إيه والسفير الأمريكي جون غودفري باعتباره مفوض من الخارجية”. طيب ما ترسلوا وفد لإصلاح ذات البين بالمرة؟ حقيقة .. إذا ساء فهم العلة ساء وصف الدواء.
الذي حدث – كالعادة – هنالك من بنى انجازاته على وعود واحتمالات وتوقعات ويريد أن يداري “خيبته” في الواقع المختلف عما كان يرغب فيه بتضخيم خلاف “شماعة” هو موجود أصلا وما من ثمة عبقرية في الحديث عنه، هو خلاف موجود في كل الملفات في صراعات الخليج في نيكاراغوا أو مسألة سوقطرة أو دعم أوكرانيا مؤخرا، وهو في أقل وأبسط حالاته في السودان، خلاف في ترتيب زمني للخطوات وليس فيها نفسها.
في السياسة الخارجية الأمريكية، توجد سياسات مرجعية ومناهج مستقرة لإدارة الخلافات علمها من علمها وجهلها من جهلها، وعند اللزوم توجد غرف عمليات عابرة للمؤسسات عندما يصل الخلاف حد تعطيل القرار، وهذا يحدث في كل القضايا ومنذ فترة الخمسينات والتحديث للشكل الحالي للمؤسسات الأمريكية إبان الحرب الباردة.
الجديد شنو إذن يا مكتشف الذرة؟ الجديد أنك كنت متوقع نتيجة، ووضعت كل البيض في “سلة واحدة”، ورفضت إدارة الملف بمختلف مداخله ومخارجه وأذرعه وواجهاته، كما تديره امريكا وأي دولة ناجحة (شمولية أو ديموقراطية) بمختلف مداخله ومخارجه وأذرعه وواجهاته (وبدون انتهازيين وعملاء لذواتهم).
ليس الإنقاذ وحدها هي التي سقطت في هذا الخطأ وورثه النظام الحالي، هذا الخطأ في عملية صناعة القرار الخارجي السوداني منذ رفض السودان دخول “كومنويلث” ليس بحسابات مبدئية أو استراتيجية كما كذبوا علينا، بل بسبب مزايدات حزبية داخلية، وحالة استقطاب مصري-بريطاني متضارب، قادها الرعيل الأول عندما أسسوا للأساطير الكبرى في السياسة السودانية وغطوا عليها بفصاحتهم وثقافتهم وبذلاتهم ومنديل الجيب، وعشم السودانيين فيهم.
من الطرائف، حديث محمد أحمد المحجوب في منشط تدريبي للديبلوماسيين السودانيين عندما سئل عن رفضه للكومنولث فقال Because there nothing in common
تعليق السفير د. حسن بشير عبد الوهاب رائد المدرسة البراغماتية في السياسة الخارجية السودانية: الذي فات على المحجوب ان اللغة التي أجاب بها هي الانجليزية، which is something in common !
لاحقا المحجوب والازهري قادا سويا (وبدون أخوان ولا شيوعيين – شماعة اليمين واليسار) قطع العلاقات مع أمريكا وبريطانيا تضامنا مع النضال العربي من جهة والنضال الأفريقي من جهة أخرى.
من المؤكد في مرحلة علاج المشاكل التي صنعوها وتعثر المفاوضات كان حولهم “مخدراتية” يتحدثون حول الخلاف بين المؤسسات الأمريكية، وانو واشنطون “راسها ضارب” في قضية السودان العظيم وقادته الدهاة، وباعتبار انه موقفهم في السليم وأنهم أحاطوا بكل شيء علما.