
(1)
الواتساب WhatsApp هو تطبيق التراسل الأكثر شهرة والأوسع انتشارا في العالم ، بما يتجاوز 2 مليار مستخدم نشط ، وهذا فارق كبير عن بقية التطبيقات المشابهة واشهرها wchatg , Facebook Messenger, Telegram ..
وحظى التطبيق بشهرة واسعة في السودان ، مع ميزاته ، المتمثلة في سهولة التطبيق ، والرسائل النصية ، والفيديوهات والصوتيات ، واصبح التطبيق الأكثر استخداماً ..
(2)
أمس ، الاحد 20 يوليو 2025م ، اصدرت هيئة الاتصالات بياناً اعلنت من خلاله تقييد خدمة الاتصال بالواتساب إعتباراً من يوم 25 يوليو 2025م ، مع استمرار بقية الميزات ، وعللت ذلك بالحفاظ على الأمن القومي..
والسؤال هنا ، لماذا لم يتم ذلك منذ بداية الحرب في العام 2023م أو العام 2024م ، والأوضاع أشد ضراوة ؟ ..
ويمكننا أن نفترض اجابتين:
▪️مع ظروف الحرب تأثرت شبكات الاتصالات وحدث بطء في تقديم وانسياب خدمة الاتصالات ومن بينها الاتصال بالواتساب وغيره..
وكان من المتعذر الاتصال وتحميل الصوتيات وعثر في مقاطع الفيديو ، وبالتالي لم يشكل الأمر تهديداً يستدعي الحظر…
▪️كان مسرح العمليات العسكرية النشط والاكثر فاعلية محدودا ومعروفاً ، ويمكن السيطرة عليه من خلال التشويش والتتبع ، والان انفتح مسرح العمليات علي مساحة ممتدة من المثلث الحدودي في شمال البلاد إلى شمال كردفان الى الدلنج والحمادي ، وبالتالي ثمة حاجة للتقليل من حجم نقل المعلومات بصورة عاجلة وآمنة من الإختراق ومشفرة..
وعلي بداهة هذه الافتراضات فإن الأمر لا يخلو من تفاصيل اخرى..
(3)
وفق تقديرات بعض الخبراء ، فإن خسائر شركات الإتصال في السودان خلال فترة الحرب تزيد عن 1.5 مليار دولار ، و تأثرت شبكات الاتصالات ومراكز الخدمات والأبراج والبنيات التحتية ، وهناك جوانب اخري لهذه الخسائر ومنها:
▪️خروج عدد كبير من المستخدمين من الشبكة نتيجة مغادرتهم البلاد ، وتوقف خدمة الاتصالات واعتمادهم على اتصالات الواتساب ، علماً بان عدد المستخدمين انخفض من 31 مليون إلى 20 مليون من بين 45 مليون سكان السودان ، ومع ظروف الحرب في دارفور وصعوبة صيانة الشبكات هناك فإن الشركات تعاني خسائر كبيرة..
▪️تطور خدمات الاتصال المباشر بالاقمار الصناعية ، وخاصة اجهزة الاستارلينك ، ومراكز خدماتها وسرعة انتشارها وتوفير بيانات انترنت مباشرة دون فائدة مباشرة لشركات الاتصالات ، ومع أن هناك قرار سابق بحظرها إلا إنها في انتشار وتوسع..
وبالمناسبة ، هذه الاجهزة أكثر خطورة علي الأمن القومي من تطبيق الواتساب وغيره..
لكل هذه الأسباب ، فإن شركات الاتصالات بحاجة لإستعادة خدماتها وتوفير مردود لتقليل خسائرها..
ولا يعتبر السودان حالة شاذة في ذلك ، هناك دول كثيرة اتخذت ذات الخطوة ، فهذا عالم شديد التنافس..
(4)
بلغ حجم تجارة الاتصالات عالمياً خلال العام 2024م أكثر من تريليون و32 مليار دولار ويتوقع زيادته بنسبة 6.14 % العام 2025م ..
وللواتساب جزء من هذه السوق ، فقد كانت بدايته البدائية في العام 2009م ، وبلغ عدد مستخدميه 400 مليون في العام 2011م ، واستحوذت عليه شركة Facebook بقيمة 19 مليار دولار ، واصبح رائداً في سوق الاتصالات..
واصبح بالتالي التطبيق الأكثر إزعاجاً لطرفين:
▪️اجهزة المخابرات والتتبع والرصد ، ومهما يقال عن المحادثات الآمنة ، فإن ذلك مجرد وهم ، كل الاستخبارات العالمية لديها وسائل لإلتقاط المعلومات ، وأنشئت إدارات متخصصة في ذلك ، وبما أن الواتساب يوفر اتصال آمن ومشفر ، فيمكن اعتباره مهدداً أمنياً..
▪️ولكن الواتساب ، كذلك مؤثر في حجم الاتصالات ، وهى مورد مهم لشركات الهاتف السيار ، والشخصية السودانية ذات طبيعة ثرثارة ، ومعدل مكالمات المواطن السوداني تقترب من 7 دقائق ، بينما في مصر مثلاً أقل من 40 ثانية ، وقس علي ذلك..
▪️في خاتمة هذا المقال ، لابد من الإشارة إلى نقطتين..
اولهما: امكانية كسر الحظر بإستخدامات تطبيقات VPN, وهذا وارد دون ان ننسى أن هذا التطبيق يطلب (مقابل مالي أو اعلاني) ، ومع ضعف الانترنت فإن هناك صعوبة في الثاني واستحالة في الأولي بالنسبة لشريحة اجتماعية واسعة ، وهم قطاع اتصالات الواتساب والأنس والثرثرة..
والثاني: إن توسل هيئة الاتصالات بالدواعي الأمنية فيه إشارة موجبة لتعظيم الحس الأمني والوعى بالمخاطر التى تستهدف الوطن ، وفي السابق كانت المؤسسات تتحاشى سيرة (الأمن القومي)..
إذن الأمر لا يخلو من مصلحة مشتركة ، والراجح أن التجارة أوسع حظاً من الأمن..
21 يوليو 2025م..