حسب النصوص المنشورة للاتفاق السياسي الذي تم توقيعه يوم الاثنين 5 ديسمبر 2022 بين المكون العسكري وعدد من التنظيمات السياسية فإن التوجه بالنسبة لجهاز المخابرات العامة أن يكون مختصاً بجمع المعلومات، وتحليلها، وتقديمها لرئيس مجلس الوزراء، على ألا تكون له سلطة الاعتقال، ولا يسمح أن تكون له مرافق لتنفيذ الاعتقالات.
مثل هذا النص أو التوجه يتم تداوله في فترات الانتقال السياسي من قبل الأحزاب التي كانت معارضة للحكم القائم. تم تداول نفس النص عقب ثورة أكتوبر 1964، وعقب ثورة رجب 1985، ويتم تداوله الآن. الأحزاب التي يستقر لها الحكم بالانتخابات عقب الثورات سرعان ما تقوم بتعديل النص، وتعمل على منح جهاز الأمن بمختلف مسمياته سلطة الاعتقال، وذلك بعد أن تتولى الحكم، وتعرف أن جهاز الأمن عنصر أساسي لاستقرار الحكم والدولة.
يثور السؤال الآن، لماذا ايراد نص كهذا في وثيقة الاتفاق؟ بتقديري يعود هذا لثلاثة عوامل: الأول دغدغة مشاعر الجماهير، خصوصاً بعض فئات الشباب، التي ترى الشر كل الشر في الأجهزة النظامية بمختلف مسمياتها. الثاني انعدام الخبرة بالحكم ووسائله وسياساته لدى بعض قيادات الأحزاب الموقعة للاتفاق. الثالث التوجس من جهاز المخابرات العامة القائم حالياً باعتبار أن عناصره منتمية للتيار الإسلامي وأن إزالة التمكين لم تعمل فيه.
ارتبطت الصورة الذهنية لجهاز المخابرات العامة لدى بعض السياسيين، ولدى أغلب العامة من المواطنين، بنشاط قسم واحد من أقسام هذا الجهاز هو القسم السياسي، والذي في سبيل تأديته لمهامه قد يعتقل بعض الأشخاص، أو يمنعهم من السفر أو يحجم نشاط أحزاب أو مجموعات سياسية. غير أن أعمال وأنشطة هذا الجهاز الكبير غير قاصرة على القسم السياسي. إنها ترتبط بأعمال ومهام متشعبة كثيرة جداً ومتخصصة هدفها تحقيق الأمن القومي للدولة.
جهاز المخابرات العامة في مختلف الحقب، ولدى أغلب دول العالم، هو جهاز لا غنى عنه، توفر له أفضل وأذكى العناصر البشرية في البلد، وتخصص له الموارد المالية التي تمكنه من الحصول على أفضل التقانات للمراقبة والمتابعة والتدخل في الوقت المناسب.
ويعمل الجهاز عبر دوائر وإدارات وأقسام متخصصة تهتم بكل مجالات الأمن، فبخلاف الأمن السياسي هناك إدارات متخصصة تعمل على صيانة وحماية الامن الاجتماعي، وأخرى تهتم بالأمن الثقافي، وثالثة تعمل على صيانة الامن العسكري، ورابعة تخصصها الامن المعلوماتي، وخامسة تهتم بمكافحة التجسس، وسادسة مهمتها صيانة الامن البيئي، وسابعة تعمل في مجال الأمن الإنساني، وثامنة تهتم بجمع المعلومات من الخارج، وتاسعة تتخصص في الأمن الاقتصادي. فضلاً عن أقسام متخصصة في التحليل وإعداد التقارير ورفد أجهزة الدولة بها.
سلطة الاعتقال التي تمنح للجهاز ضرورية للقيام بالمهام التي ذكرناها، ونضرب لذلك أمثلة في الجانب التطبيقي: إذا تحصل الجهاز بناءً على المراقبة الفنية، والمتابعة الميدانية، على نية مجموعة أجنبية القيام بعملية إرهابية تتضمن تفجيرات واغتيالات، هنا من الضروري ان تكون له سلطة الاعتقال لإيقاف عملية كهذه. إن إيقاف عمليات الهجرة السرية عبر الحدود، وضبط عناصر المخابرات الأجنبية، وغيرها، كلها تتطلب سلطة الاعتقال.
بالطبع هذا لا يمنع أن يكون الاعتقال بضوابط يحددها القانون، وتحت اشراف نيابة تخصص لهذا الغرض. إن حجب سلطة الاعتقال عن جهاز الأمن خطأ ينبغي التراجع عنه. والله الموفق.