الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

تجربتي مع المركز القومي للمعلومات (14)

التحول الرقمي في وزارة الخارجية

د. محمد عبدالرحيم يسن


تعد وزارة الخارجية، من الوزارات التي ينبغي أن تكون في طليعة المؤسسات الحكومية استخداما للتقنية وتوظيفا للتحول الرقمي في أنشطتها وخدماتها.
وقد كانت بالفعل من أوائل الوزارات التي التفتت مبكرا إلى أهمية التقنية، إذ استعانت بالمستشارين من الجامعات السودانية ، والكفاءات المحلية في تطوير أنظمة إدارية وبرامج أرشفة إلكترونية منذ بواكير التسعينات. كما كانت من الوزارات السباقة في استجلاب أجهزة حواسيب عالية الكفاءة ومخدمات مركزية، وربط مكاتبها بشبكة داخلية آمنة، في زمن لم تكن فيه مفاهيم الرقمنة منتشرة على نطاق واسع.
ورغم هذا التقدم المبكر، إلا أن التحول الرقمي في إدارة أنشطة الوزارة لم يبلغ المستوى المنشود، ويعود السبب الجوهري لذلك إلى عدم الاستقرار الإداري والفني للعاملين في إدارة الحوسبة، وهو عامل ظل يؤثر سلبا في استدامة أي جهد تقني مؤسسي.
أما في مجال الخدمات الإلكترونية، فقد كانت الوزارة من أوائل الجهات الحكومية التي طورت خدمات نوعية، أبرزها خدمة التوثيقات الإلكترونية وربطها بالدفع الإلكتروني، مما سهل كثيرا على المواطنين، وقدم نموذجا عمليا لما يمكن أن يحققه التحول الرقمي من تحسين مباشر في تجربة المستخدم، وكانت الوزارة من الوزارات الرائدة حسب تقييم المركز القومي للمعلومات.
واليوم، ونحن نعيد بناء ما تم تدميره من بنى تحتية ونظم رقمية في إدارة الشأن الدبلوماسي، تبرز الحاجة الماسة إلى رؤية رقمية موحدة لوزارة الخارجية، تقوم على إنشاء منصة إلكترونية مركزية واحدة ترتبط بها جميع السفارات والقنصليات السودانية حول العالم.
من خلال هذه المنصة يمكن للمواطن في أي بلد أن يجد خدماته بسهولة ويسر، كإصدار وتجديد جواز السفر، أو الحصول على التوثيقات الرسمية للمستندات وربطها بنظام تدقيق موثوق يتيح التحقق من صحة المعاملة في لحظتها. كما يمكن عبرها متابعة طلبات التأشيرات إلى السودان من مختلف دول العالم بصورة رقمية متكاملة، مما يسهم ويعزز ثقة المتعاملين مع الدولة.
وكذلك سيتمكن السودانيون بالخارج من تسجيل بياناتهم وتحديثها إلكترونيا، والتواصل مع بعثاتهم الدبلوماسية عبر نوافذ مخصصة لحجز المواعيد والاستفسارات وتلقي المساعدة في أوقات الطوارئ.
إن مثل هذه المنظومة، إذا ما اكتملت، ستجعل من وزارة الخارجية نموذجا في الدبلوماسية الرقمية الحديثة، وتقدم السودان بصورة متقدمة ومنفتحة على العالم. وستصبح التقنية جسرا يربط المواطن بوطنه أينما كان، كما تسهم في تعزيز كفاءة العمل القنصلي وتقليل النفقات والوقت والإجراءات.
إن الطريق إلى ذلك لا يمر عبر البرمجيات واستجلاب الاجهزة فحسب، بل عبر الإرادة والقيادة والرؤية. فقبل الأنظمة والمنصات، يحتاج التحول الرقمي إلى قرارات شجاعة تعيد ترتيب الأولويات وتضع التقنية في قلب العمل الدبلوماسي، باعتبارها أداة سيادية، ورافعة أساسية لإدارة العلاقات والمصالح في عالم يتغير كل يوم.
في ختام مقالات تجربتي مع المركز القومي للمعلومات ، نتناول في العمود القادم رموز لا يمكن تجاوزها في ذاكرة المركز القومي للمعلومات.
١٠ نوفمبر ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!