بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان لـ«الشروق» المصرية : الانتخابات المبكرة ليست حلا للأزمة السودانية
رصد : الرواية الأولى
السودان يواجه «أزمة عميقة» وصراعا على السلطة.. والمشاورات السياسية الحالية سودانية وليست «أممية» ودورنا تسهيل العملية
تواجد البعثة الأممية فى السودان ليس تدخلا أجنبيا.. وجئنا بناءً على طلب حكومى لدعم الخرطوم فى عملية الانتقال السياسى
ننسق مع مفوضية الاتحاد الأفريقى ومنظمة «الإيجاد».. وتوصلنا لاتفاق لتجنب وجود مبادرات متنافسة
أى مقترح لحل الأزمة لابد أن يكون بناءً على أفكار سودانية وطنية وسيتطلب تنازلات من الفاعلين فى المشهد
ــ لم نتواصل مع «المؤتمر الوطنى» لأنه حزب مُنحل رسميا.. والمرحلة الثانية من المشاورات تستغرق أسابيع وليس شهورا
ــ الاتفاق على نظام دستورى وحكومة معترف بها من الداخل السودانى مسألة ضرورية
ــ الفترة الانتقالية لا يُمكن أن تكون أبدية وتحديد مدتها يحتاج لتفاهم «سودانى ــ سودانى»
ــ لابد من انتهاء المرحلة الانتقالية بتسليم كامل للسلطة لحكومة مدنية منتخبة
حاورته في الخرطوم ــ سمر إبراهيم
أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية فى السودان «يونيتامس» فولكر بيرتس، أن البعثة لا تفرض أى حل مُسبق للأزمة السودانية التى وصفها بأنها «أزمة عميقة»، مشيرا إلى أن أى مقترح لحل الأزمة لابد أن يكون بناءً على أفكار سودانية وطنية وسيتطلب تنازلات من الفاعلين فى المشهد، مشددا على ضرورة الاتفاق على نظام دستورى، وحكومة معترف بها من الداخل السودانى.
وأوضح بيرتس فى حوار خاص لـ«الشروق» ــ هو الأول مع صحيفة مصرية ــ أن الخروج من الأزمة يتطلب اتخاذ إجراءات لإعادة بناء الثقة تبدأ بإطلاق سراح المعتقلين، والامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين، مشيرا إلى أن مسألة تحديد المدة المتبقية من الفترة الانتقالية، تتوقف أولا على إمكانية العودة إلى مسار انتقالى مُعترف به ومتفق عليه من جميع الأطراف وإن كان لابد أن تكون محدودة من عامين لعامين ونصف العام
وإلى نص الحوار الذى جرى فى العاصمة السودانية الخرطوم :
* بداية.. كيف نشأت فكرة إطلاق المبادرة الأممية لكسر جمود الأزمة فى البلاد؟
ــ الفكرة بدأت عقب انقلاب 25 أكتوبر، وتحديدا قبيل توقيع الاتفاق السياسى فى نوفمبر الماضى، بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله حمدوك، حيث كانت هناك عدة مبادرات من الرموز الوطنية السودانية، لإيجاد حل للخروج من تلك الأزمة السياسية.
ومع تقديم الدكتور حمدوك استقالته مطلع العام الحالى، دفعتنا تلك التطورات لإطلاق عملية سياسية تشاورية سودانية وليست «أممية»، ولكن بتسهيلٍ من الأمم المتحدة.
وكنا ندرك أن جميع الأطراف المختلفة فى البلاد ترفض الجلوس مع بعضها البعض على الأقل فى ذلك الوقت، ولذلك دعونا الأطراف كافة للاستماع إليهم فى إطار مساعينا لفهم أفكارهم ومقترحاتهم ومن ثم العمل على بلورتها جيدا لنصل إلى توافق حول جميع القضايا الواجب مناقشتها فى المرحلة المقبلة.
* إذن كيف تقرأ الوضع السياسى الراهن فى السودان؟
ــ السودان يواجه «أزمة عميقة» ليست سياسية فقط، بل أزمة اقتصادية واجتماعية حادة أيضا، فهناك صراع على السلطة ومقاومة من المكون العسكرى للشباب المتظاهرين فى الشارع، وكذلك انفلات أمنى، ومن ثم فهى أزمة متعددة الأطراف تؤثر على كل أنحاء السودان، لذلك لابد من توافق أكبر عدد من أطراف الأزمة للخروج منها، والاتفاق على نظام دستورى مقبول من الجميع، وحكومة معترف بها ليس من الخارج ولكن من الداخل السودانى.
* تم تفويض بعثة «يونيتامس» بموجب قرار من مجلس الأمن، فهل المبادرة تأتى ضمن صلاحيات التفويض؟
ــ بالتأكيد.. فوفقا للقرار رقم 2524 لمجلس الأمن، نحن ملزمون بدعم الانتقال السياسى ودعم الانتقال نحو الحكم الديمقراطى، وهذا ما جاء نصا فى قرار مجلس الأمن، الذى يتضمن أيضا تنفيذ أهداف البعثة عبر المشاورات فى القضايا العريضة، ومن ثم إذا انقطع الطريق نحو المسار الديمقراطى، أو اصطدم بحاجز، فعلينا أن نقدم الدعم للسودانيين والسودانيات من أجل العودة للمسار والتوافق إلى الأمام.
* هل المؤسسة العسكرية السودانية اعترضت على مبادرتكم؟
ــ رسميا لم نرَ اعتراضا من قبل المؤسسة العسكرية، بل وجدنا ترحيبا من القوات المسلحة السودانية ومجلس السيادة الانتقالى. وأظن أنه لو كنا أطلقنا المبادرة بعد 25 أكتوبر مباشرة، لكان بالفعل قد تم رفضها من جانبهم، ومن أطراف أخرى أيضا، ولكن حاليا هناك شعور بعمق الأزمة التى زادت وتيرتها خلال الشهور الماضية، فمنذ ما يقرب من 4 أشهر وحتى الآن لا توجد حكومة تدير البلاد، لذلك هناك شعور متزايد بحدة الأزمة وضرورة إيجاد مخرج منها، الأمر الذى يساند الجهود الدولية الرامية للوصول إلى حل.
* كثيرون انتقدوا عدم تقديمكم لرؤية مبلورة لمبادرتكم حتى اللحظة الحالية، فلماذا لم يتم طرح مضمونها منذ إعلان انطلاق المشاورات فى يناير الماضى؟
ــ لو كنا أطلقنا مبادرة بمعناها الحرفى «تقديم مقترح لحلحلة الأزمة» بكل تأكيد كان سيتم رفضها من جميع الأطراف، فأى مقترح للحل لابد أن يكون بناءً على أفكار سودانية وطنية، وسيتطلب تقديم تنازلات من الفاعلين فى المشهد، وانطلاقاّ من ذلك، رأينا عدم البدء بعملية سياسية تتضمن طرح مقترحات سيتم رفضها، حتى لو كانت عقلانية من وجهة نظر المجتمع الدولى. لذلك نرى أن أى مقترح سيتم بلورته يجب أن يكون «سودانى»، فنحن لا نفرض أى حل مُسبق الصنع على السودان.
* على مدار الأسابيع الماضية منذ إطلاق المبادرة، أجريتم العديد من المشاورات مع القوى السياسية، ما هى أبرز مخرجات تلك اللقاءات؟ وهل شارك بها حزب المؤتمر الوطنى أم لا؟
ــ سوف نُطلق التقرير الخاص بمخرجات تلك المشاورات خلال أيام. أما بشأن مشاركة المؤتمر الوطنى، فالحزب الذى يُمثل النظام السابق كان يرفض منذ البداية مبادرتنا حتى من قبل إطلاقها، كما أن بعثة «يونيتامس» فى السودان تتحرك وفقا للقوانين الوطنية فى البلاد، وحزب المؤتمر الوطنى الآن تم حله رسميا، ومن ثم لم نتواصل معه.
* البعض يرى أن المبادرة بلا سقف زمنى، ووسعت مسارات المشاورات رغم أن الوضع الراهن متأزم للغاية ولا يحتمل ذلك، ما ردكم؟
ــ بالفعل المدى الزمنى يُمثل أهمية كبيرة، ولكن التطورات الراهنة فى السودان من صراع على السلطة، تتطلب وقتًا للتشاور والتفكير، فلا يُمكن فرض حل سريع، ولابد من تشاور الأطراف مع بعضها البعض، أو فى مجموعات خاصة، لذلك أكدنا خلال المرحلة الأولى من المشاورات التى تم الانتهاء منها مؤخرا، أننا نحتاج إلى 4 أسابيع وبالفعل كنا نحتاج إلى هذا الوقت، وبالنسبة للمرحلة الثانية سوف نحتاج لأسابيع وليس لأشهر.
* بعض الأطراف السياسية تتحدث عن ضرورة إبعاد القوات المسلحة السودانية من المشهد تماما، فهل ترى السودان يتحمل ذلك فى ظل التحديات التى يواجهها؟
ــ هذا الأمر قرار السودانيين ويحتاج لتوافق سودانى، والمهم أن يكون هناك اتفاق شبه كامل يشمل القيادة العسكرية، على انتهاء المرحلة الانتقالية بتسليم كامل للسلطة إلى حكومة مدنية منتخبة.
فإذا كنا نرغب فى حكم مدنى، لابد من مناقشة كيف ننتقل من الحالة الراهنة إلى الحالة المستهدفة، وهذه القضايا تحتاج إلى تدرج معين، ووفقا للوثيقة الدستورية وبالنسبة لنا وتفويض مجلس الأمن لبعثة «يونيتامس» فإن الهدف هو حكم مدنى ديمقراطى وسوف نصل إليه.
* فى الفترة الحالية هناك مشاورات غير معلنة لعقد حوار «سودانى ــ سودانى».. ما دوركم فى هذا الحوار أيضا؟
ــ إطلاق تلك المشاورات الداخلية يعتبر خطوة جيدة تساعد على الحل، والبعثة على علم بتلك الجهود وترحب بها وتنسق معها أيضا، فهذه الخطوات تسهم فى خلق مناخ جيد يسمح بفرص أكثر للحوار، فحتى الآن هناك عدم ثقة بين الأطراف، وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات لإعادة بناء الثقة.
* ماذا تقصد بإجراءات إعادة بناء الثقة؟
ــ الفترة الانتقالية منذ بدايتها عام 2019 وحتى 25 أكتوبر 2021، كانت قائمة على مفهوم الشراكة بين المكونين العسكرى والمدنى، وعلى روح التعاون، لكنها تلاشت عقب انقلاب 25 أكتوبر وبفعل التوترات فى المشهد العام قبل ذلك التاريخ أيضا، ومن ثم أصبحت الثقة بين الطرفين مفقودة.
ولم يقتصر الأمر على الخلاف بين المكونين والأحزاب فقط، ولكن هناك تظاهرات شبابية وعنف يشهده الشارع، كل هذا لا يُمكن أن يؤدى لبناء الثقة، ومنذ 25 أكتوبر نؤكد للسلطات السودانية أنها إذا أرادت مساعدة الأمم المتحدة فى إيجاد مخرج لتلك الأزمة، فعليها إعادة بناء الثقة، وهو ما يبدأ بتدابير مثل «إطلاق سراح المعتقلين، وعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين».
* إذن هل يُمكن أن تلعب البعثة دورا فى تثبيت أركان مخرجات الحوار الوطنى؟
ــ إذا حدث توافق كل شىء يُمكن أن يحدث، وسيكون تعاون الأمم المتحدة فى الحوارات المقبلة ذات الصلة بالدستور على سبيل المثال ومناقشة القضايا الوطنية الهيكلية مرهون بدرجة قبول السودانيين والتوافق فيما بينهم.
* صرحتم من قبل «أن الفترة الانتقالية فى السودان لا ينبغى أن تكون دائمة».. ما رؤيتكم بشأن مطالبة البعض بمَد الفترة الانتقالية والبدء من جديد عقب التوصل لاتفاق مستقبلا؟
ــ ليس لدى مقترح دقيق لما يتبقى من الفترة الانتقالية، فذلك يتوقف أولا على إمكانية العودة إلى مسار انتقالى مُعترف به ومتفق عليه من جميع الأطراف، وأكرر أنه إذا تحدثنا عن فترة انتقالية لا يُمكن أن تكون أبدية، ولابد أن تكون محدودة من عامين إلى عامين ونصف العام، وهذا يحتاج لتفاهم «سودانى ــ سودانى».
* ماذا عن دور البعثة فى دعم إجراء انتخابات نزيهة؟ وهل ترى أن الانتخابات المبكرة حل جذرى إذا تعثر الوفاق الوطنى؟
ــ الانتخابات المبكرة لا يُمكن أن تكون حلا فهى عملية سياسية وفنية تحتاج إلى بعض الوقت لاتمام عدد من الخطوات مثل تشكيل مفوضية مستقلة للانتخابات وإعداد قانون الأحزاب وقانون للانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية وحصر الناخبين فهناك ما يقرب من 5 ملايين مواطن سودانى ليس لديهم هوية وغير مسجلين، ومن ثم العملية تحتاج إلى بعض الوقت.
ونحن فى بعثة «يونيتامس» منذ بدء مهامنا لدينا قسم داخلى لدعم العملية الانتخابية يُنسق مع وزارة العدل السودانية لدعم تحضير قوانين الانتخابات لكن تلك الآمال تم وأدها فى 25 أكتوبر، وعندما عاد الدكتور عبدالله حمدوك إلى رئاسة الحكومة كنا نعمل مع فريقه للتحضير لأجندة الانتخابات.
* منذ أيام، قام رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى بزيارة السودان، وسبقه مبعوث منظمة «الإيجاد»، فهل هناك تنسيق مع تلك الجهات بشأن مبادرتكم، والمبادرات التى سعوا لطرحها؟
ــ نعم.. نتشاور بشكل مستمر مع مفوضية الاتحاد الأفريقى ومنظمة «الإيجاد»، وتوصلنا لاتفاق مبدئى على أنه لا يجوز أن تكون هناك مبادرات تتنافس مع بعضها البعض، وإذا تم سؤال أى مسئول أفريقى فى المنظمتين سيقول ذلك أيضا، فلا يُمكن أن يكون هناك تنافس سياسى.
* ما تعقيبكم على المظاهرات التى جرت أمام مقر البعثة اعتراضا على ما وصفه المحتجون بـ«التدخل الأجنبى» فى السودان؟
ــ نحن ندافع عن حق التظاهر السلمى لكل طرف حتى لو كان هذا الطرف ضدنا أو مندفعا بفعل أطروحات زائفة أو مغلوطة، ونوضح هنا أن دعم السودان فى عملية الانتقال السياسى ليس تدخلا أجنبيا، فبعثة «يونيتامس» بمهامها المتعددة جاءت بعدما تقدمت الحكومة السودانية برسالتين لمجلس الأمن طلبت فيها ببعثة تحت البند السادس من ميثاق الامم المتحدة لمساعدتها فى الانتقال السياسى وهذا ما نقوم به، والحكومة والشعب السودانى هم من يقررون إذا ما كانوا يريدون هذا الدعم أم لا.
* السودان يحيطه دول جوار ذات ثقل سياسى كبير.. فماذا عن الدعم الإقليمى لمبادرتكم؟
ــ مما لا شك فيه أن دول الجوار مثل بقية دول المجتمع الدولى، لديهم نفس الرؤية والاهتمام بدعم أمن واستقرار السودان، لقد رأوا الكارثة الكبرى التى أدت إلى تقسيم السودان منذ 10 سنوات، ومن ثم ليس هناك طرف يريد تكرار هذه التجربة، أو يرى تدهورا أمنيا فى السودان، ولو من منطلق المصالح الخاصة بأمن دول الجوار التى حتما سيقع عليها تأثير سلبى.