الرواية الأولى

نروي لتعرف

حسين خوجلي - يكتب :

بعد جرح الدوحة أليس من حقنا أن نتسائل أين اليمين العربي؟

حسين خوجلي

في مطلع التسعينات حين تحققت النبوءة وروسيا ( دنا عذابها ) انهار الاتحاد السوفيتي العظيم والكتلة الشرقية انهيارا مفاجئا ومفجعا وسط دهشة الجميع. وبانهياره انهار تيار اليسار العربي الماركسي وأصبحت أحازبه مجرد ذكريات أو مجموعة ضغط. وصار التكنوقراط منهم مجرد موظفين لدى المعسكر الغربي مترجمين وعملاء وقيادات بوكالة الغوث والجمعيات الأمريكية الأوروبية الصهيونية المتسترة بالغطاء الإنساني لتمارس التجسس ضد بني جلدتها ومعتقداتها.
ولليسار العربي الماركسي كراهية متاصلة للإسلام والعروبة والمنظومة القيمية لهذه الحضارة المشرقة، التي حكمت العالم لأكثر من الف عام. وبموت عبد الناصر انهار تيار اليسار القومي فما عاد له تاثير لا على التاريخ ولا الجغرافيا ولا على الفكر. وبسقوط التيار القومي البعثي بضرب العراق واغتيال صدام بالحبل الأمريكي ليلة العيد انطوت كل التجارب العملية الحاكمة لهذه التيارات الثورية المثالي فيها والعنيف.
وأظلت العالم تجربة اليمين الحاكم في أمريكا المتمثل في الحزب الجمهوري ويمين الحزب الديمقراطي وتياراتهم التي انتظمت المانيا وايطاليا وأصبحت في الكثير من العواصم الأوروبية على مقربة من استلام السلطة. وكانت آخر الفواجع هي انتصار اليمين الاسرائيلي واستيلائه على السلطة بقيادة نتنياهو بالليكود وسموتريتش وبن غفير هؤلاء الذين جعلوا القتل والسحل والتدمير موهبة ونشوة.
شطبوا القضية الفلسطينية من ذاكرتهم وذاكرة العرب، بل من ذاكرة العالم واعتبروا أن التاريخ قد بدأ في 7 أكتوبر بقتل العشرات من اليهود وهم يقتلون مئات الآلاف منذ عام النكبة في 1948 إلى اليوم في غزة، وصدروا سرديتهم الكذوب لكل العالم بسطوة مؤسساتهم الاقتصادية والإعلامية والتخابرية باعتبار أن أي مذبحة يقومون بها هي دفاعا عن النفس، وأن كل عملية استشهادية يقوم بها الفلسطينييون هي جريمة وارهاب.
وفي حالة العجز العربي الذي لا يحتاج إلى دليل أصبح اليمين الإسرائيلي لا يحلم بإسرائيل الكبرى أرضا فقط بل أصبح يحلم بالامبراطورية الاسرائيلية أرضا وتمثيلا ووكلاء. فالطائرات الأمريكية الإسرائيلية في الحرب الصليبية الأخيرة تدك كل عاصمة عربية وإسلامية تراها، وليس هناك أي رد من هذه الأمة الشاهدة إلا الاتقاء بالعبارة التافهة (على المجتمع الدولي ومؤسساته أن يقوموا بدورهم لشجب وإدانة وإيقاف العدوان) وغاية ما يفعلون دعوة مجلس الأمن الذي يتخذ قراره الإنشائي لتلك الإدانات الملساء التي توقفها اليد الأمريكية المرفوعة بالفيتو اللعين تلك اليد التي تقطر دما من أجساد وأشلاء الأطفال الفلسطينيين.
فاذا كانت هنالك فضيلة يمكن أن تقال في حق تحالف ترامب ونتنياهو بعد ضرب الدوحة الجارح والمهين هو أنه جعل العواصم العربية عارية من أي تبرير حيث أصبح القول الذي يدركه أي طفل عربي أننا نتبزكم ونسرقكم ونهزمكم ونقيم على أراضيكم قواعدنا دون أن تحرك ساكنا في أي اعتداء يقع عليكم، بل أننا نذلكم بأن نجعل ستة مليون صهيوني من أقطار الشتات تهزم ما يتجاوز اثنين مليار عربي ومسلم يغطون في نوم عميق (كغثاء السيل) ما بين طنجة وجاكارتا.
ويضيفون في صلف نحن نفعل هذا أتعرفون لماذا؟ الإجابة هي: لأننا نريد إعادة الاستعمار الاستيطاني الجديد بشرا ومواردا وفكرة، وسنتصدق عليكم بحق تقرير المصير بعد مائة عام ما لم تقم القيامة وينزل المسيح الانجيلي ليملأ حياتكم ذعرا ويملأ حياتنا نحن الأخيار شرفا وعزا وجنة.
سؤال برئ وأخير للنخبة العربية والإسلامية والسلطان إن كان اليمين وأشراره هو الذي يحكم ويدير العالم في أمريكا وأوروبا وإسرائيل، ويفعل بعالم طنجة وجاكارتا كل هذا، فلنا الحق أن نتسائل ترى أين اليمين العربي والإسلامي الذي يمكن أن يواجه اليمين الصليبي الصهيوني؟
( ولا يفل الحديد إلا الحديد) مجرد تساؤل يستحق المناقشة وتحرير الجدل بعد سقوط كل البدائل.
ضُربت الدوحة وقبلها القدس وغزة وبيروت والخرطوم وصنعاء ودمشق وطهران وبغداد وسُتضرب غدا كل العواصم الأخرى، ففي الكمبيوتر الأمريكي الضخم جعلوا لكل عاصمة عربية مبررا وسيناريو لتدميرها وسحلها وإعادتها للعصر الحجري، مثلما ما فعلوا بالكثير من العواصم وعلى الباقي المستكين تدور الدوائر.
ورغم كل هذه الهزائم والابتزاز والضعة والخضوع والاستسلام لا يجد السلطان العربي إلا تبريره الهامس وهو يلثم حذاء قاتليه:
ومن نَكَدِ الدُنيا على الحُرِّ أَن يَرَ: عَدُوّاً لهُ ما من صَداقتِهِ بُدُّ

نعم يلثمون الحذاء وهم يعلمون أن 5% فقط من الموارد النفطية يمكن أن تقيم أكبر ترسانة لسلاح الجو العربي الذي يجعل نتنياهو وترامب وبقية الأصنام ينحنون ويقبلون ذلةً حذاء إمام المسجد الأقصى. نعم حذاؤه لا محرابه.
وأخيرا جدا أليس من العار الأبدي أن تتجول الطائرات الإسرائيلية في السماء العربي الطاهر وتدق قلب العواصم العربية دون أن نستطيع إسقاط طائرة واحدة؟ ودون أن يفقد هؤلاء الأوغاد جنديا واحدا في معركة استباحة العالم العربي والإسلامي؟ أليست هذه F15, F35 التي أعدت الأمارات قيمتها وملأت بها أكياس البلاستيك عدا نقدا وأفشلت الصفقة حين قالت لها الإدارة الأمريكية: هاتي اذنا خاصا من تل أبيب فرجع الوفد خائباً وخالي الوفاض وهو يردد :
أَبيعُ وَيَأبى الناسُ لا يَشتَرونَها : وَمَن يَشتَري ذا عِلَّةٍ بِصَحيحِ
فسألوا عن السبب الذي جعل الصهاينة أصحاء وجعلنا نحن أصحاب علة؟
(وليس للحديث بقية فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف )

اترك رد

error: Content is protected !!