بقلم السفير عبدالمحمود عبد الحليم
…كانت الاناشيد القديمة والبشارات تنطلق من بلادالنيلين لباندونق فى تذكارها الاول وقد شرب دجاها من ضوء النجيمات البعيدة فافردت اجنحتها متغنية للملايو ولليالى فرح خضراء للصين الجديدة وكانت “اسيا وأفريقيا” اهزوجة للايدى الصديقة ولوجه غاندى وصدى الهند العميقة وغنى تاج السر الحسن و وعبد الكريم الكابلى لسوكارنو وكنياتا وللجزائر ودمشق فكلنا فى الهم والإمال شرق…كانت الامال عراضا والطموحات عارمة ، وعندما عقدت قمة الجنوب الثالثة فى الاسبوع الماضى بكمبالا تحت شعار” عدم ترك احد يتخلف عن الركب “”كان المشهد مختلطا بقصص الماضى و بمشاعر الامل والعزيمة و الاخفاق ايضا ، وعندما انتقلت رئاسة القمة فى جلستها الافتتاحية من كوبا على البحر الكاريبى الى يوغندا بخط الاستواء لم تكن المسافة بينهما حسب وصف شاعرنا اسماعيل حسن لمشهد محلى ” شارع زلط للعين يبين ” وانما كانت سنينا من الجهد ومزيجا من الانجاز وايضا الفرص الضائعة ،ويبدو ان شواغل الداخل قد اثرت على مستوى المشاركات فغاب العديد من الرؤساء وقاد اغلب الوفود رجال الصف الثاني والوزراء …كانت قمة مجموعة ال٧٧ والصين والتى تعد بعضويتها البالغة ١٣٤ بلدا كاكبر تجمع دولى فى اطار الامم المتحدة ، والتى كان السودان قد تولى رئاستها عام ٢٠٠٩ وعلى مدى عام كامل ، سانحة للدعوة الجهيرة لاعادة التمسك باهداف وطموحات المجموعة التى تحتفل هذا العام بذكرى تاسيسها الستين كاحد الهامات مؤتمر باندونق، وقد كان القاسم المشترك بين كلمات كافة الوفود هى وجوب الحرص علي تماسك المجموعة ووحدتها فى مواجهة التحديات الجسام التى تواجهها على طريق سعيها لتحقيق التعاون بين دول الجنوب فى مجالات التجارة والاستثمار والتنمية المستدامة والتغير المناخى وازاحة الفقر والاقتصاد الرقمى فى خضم بيئة دولية ضاغطة وغير مواتية ، وقد شمل الاعلان الذى اعتمدته القمة ١٥٦ فقرة شكلت طموحات وامال وشواغل ومطالبات المجموعة وتراوحت بين مسائل ألاقتصاد والمال والتنمية وكان للسياسة نصيب كبير بماحواه الاعلان حول القضية الفلسطينية وبدعوته لبريطانيا والارجنتين لاستئناف التفاوض بشان السيادة فى جزر المالفيناس…..وحيث ان السياسة هى موئل التناقض والمفارقات ماكادت القمة تنهى اعمالها بالدعوة للحفاظ علي الوحدة بتجلياتها الاقليمية وشبه الاقليمية حتى خرجت النيجر وبوركينا فاسو ومالى ببيان اعلنت فيها انسحابها من المجموعة إلاقتصادية لدول غرب افريقيا” الايكواس ” مشيرة الى خيبة امل شعوبها وخذلانها من تجمع قد ذاقت المر من ثمره ووجدت فيه حشفا وسوء كيل حيث كانت هذه الدول قد تعرضت لعقوبات المجموعة عقب التغييرات العسكرية التى طالت نظمها…ويبدو ان لهذا الانسحاب ونزعات الخروج تماثلا فى مجموعات إقليمية اخرى فقد اعلن السودان قبل مايزيد عن الاسبوعين تجميد علاقاته بالايقاد على خلفية مانقلته بيانات الحكومة من انحياز ضدها وانتهاك لسيادتها من قبل هذه المنظمة….مالم يقله عبد الكريم الكابلى هو ان الرئيس الاندونيسى سوكارنو قد سبق هؤلاء جميعا بانسحاب وفى رواية اخرى تعليق لعضوية بلاده بالامم المتحدة ذاتها اذ كانت الجمعية العامة قد انتخبت ماليزيا على ايام نزاعها مع اندونيسيا كعضو غير دائم بمجلس الأمن فغضب سوكارنو كرياح اسيوية مزمجرة وحرر خطابا لاوثانت امين عام الامم المتحدة اعلن فيه انسحاب بلاده من المنظمة الدولية عام ١٩٦٥ ، كما قام بانشاء تكتل ظنه بديلا للامم المتحدة، الا ان الرئيس الجديد سوهارتو قام بعد عام من ذلك بالكتابة للامم المتحدة لاستعادة وجود بلاده بها حيث قبلت الجمعية العامة ذلك فى سبتمبر ١٩٦٦..و لدول القارة الأفريقية سوابق في ظاهرة الانسحابات حيث كانت موريتانيا قد انسحبت من الايكواس في ديسمبر عام ٢٠٠٠ حيث تم ارجاع ذلك لعدم مقدرتها على مقابلة التبعات المالية المترتبة على عضويتها بينما افتى آخرون بان انسحابها كان بسبب اعتزامها ولوج عضوية اتحاد المغرب العربي وكذلك تخوفها من آليات حقوق الانسان فى منظمة الايكواس….وانسحبت المغرب من عضوية منظمة الوحدة الافريقية عام ١٩٨٤ بسبب قبول ” الجمهورية العربية الصحراوية ” عضوا بها ، الا انها عادت واستأنفت عضويتها بالاتحاد الافريقى فى يناير ٢٠١٧ كاحدث عضو بالاتحاد وهى العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الافريقية ..وبخلاف حالات التجميد او التعليق والانسحاب التى تقوم بها الدول طواعية فقد تفرض هذه المنظمات حالات التجميد على عضويتها مثل تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية وقد يحدث ذلك وفق مخطط سياسي في اللجان والهيئات الدولية حيث تم ابعاد روسيا من عضوية مجلس حقوق الانسان بتدبير امريكى كاحد تفاعلات الحرب الاوكرانية ، وكانت من الانسحابات الشهيرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي….اذا كان شعار القمة فى كمبالا هو leaving no one behind او ” لأاحد يتخلف عن الركب” فان ما ظهر مؤخرا من شقوق فى جدار تماسك الوحدات الاقليمية التى يتشكل منها الاتحاد الافريقى، أحد الكيانات الرئيسية لقمة الجنوب ، على النحو الذى ابانته تجربة خروج النيجر وبوركينافاسو ومالى من الجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا لأمر يستوجب التقصى ودراسة الاسباب واعادة الزيارة للادبيات المنشئة للقوام والبناء المؤسسى للتشكيلات والتجمعات واعمال الشفافية ، واحترام الخيارات وبالعدم فانه بدلا ان تكون هذه التشكيلات والجماعات صروحا و” مداميك ” لأتحاد جامع لافريقيا building blocks فانها وبشروخها تلك ستكون مهددا لتلك الوحدة ، وحينها سنشهد “تخلف الكثيرين عن الركب “..