تقرير : عمار عوض
فرحة كبيرة انتابتني في زمن الحزن الذي يختلط بالأفراح قليلا، ليس لظهور نتيجة مرحلة المتوسطة وما رافقها من بهجة وغبطة وسرور في البيوت السودانية وفي التايم لاين السوداني بل لانه كان اعلان أن قطار التعليم في بلدنا (دور حديدو) وهو اهم قطار في مستقبل وحاضر السودانيين ، ان الإجراس التي صارت تقرع عند كل مدرسة تشعرني براحة نفسية فهذه أجيال وجدت نفسها في هذا العالم ودون ذنب جنوه وجدونا نحن ابائهم واخوانهم الأكبر نتيجة لعدم قدرتنا على إدارة خلافاتنا اشتعلت حولهم حرب هم ليسوا طرف فيها ولكن نتيجتها أن عامين دراسيين ضاعوا منهم وآخرين وقفوا في المنتصف لاهم امتحنوا الشهادة الثانوية ولاهم انتقلوا للجامعة.
أن عودة الحياة للمدارس كفارة ومثابة اعتذار لاطفالنا واخواننا الأصغر اننا نهتم كثيرا لمستقبلهم عسى يكون حظهم افضل منا.
2
في زمن تعثر التوصل لصيغة جامعة بشأن دخول المساعدات الإنسانية إلى المتاثرين بالحرب والعالقين في مناطق الصراع المسلح والحامدين الله على ما فعلته الامطار والسيول رغم تدميرها لمنازلهم وتجارتهم واعمالهم ، وفي ظل تنامي الحديث عن نقص الغذاء او ما اسميه انا (التجويع الممنهج) واستخدام الغذاء سلاح من أجل تحقيق مكاسب سياسية او عسكرية في الحرب ، كتب الله ومن ثم عمل المؤمنين بأن الشعب السوداني ضحية لمركب الحرب والسيول والفيضات ، انشغال القيادات السياسية بتحقيق مكاسب على الطاولة فيما تعمل الحكومة على تمدد رقعة المساعدات ، وسط كل هذه العتمة تاتي الاخبار المفرحة من تلقاء جنوب كردفان حيث الدلنج الحبيبة حاضرة اهلنا في جبال النوبة وهم يستقبلون شاحنات الإغاثة والادوية سبعة شاحنات التي جرى توزيعها مابين محليات الدبيبات والدلنج والكرقل وكادقلي ، ان مصدر الفرح ياتي نسبة لان منطقة جبال النوبة كانت تعتبر منسية في الحرب السودانية وهي تعاني حصارا مركبا ما بين الدعم السريع من جهة والجيش الشعبي من جهة والجيش السوداني مدافعا داخل المدن ما خلف واقعا ماسويا لكنه صار اليوم في النهايات بعد وصول هذه الشاحنات معلنة ان مفرق الدبة وطريقها صار سالكا في الوقت الذي نجح فيه الفريق او عبد الفتاح البرهان تزليل كافة الصعوبات والحصول على موافقة حكومة دولة الجنوب على استخدام مطار جوبا لايصال المساعدات مباشرة الى كادقلي ومدن جبال النوبة الاخرى ، ياتي هذا الاتفاق نتيجة للعمل التحضيري الكبير الذي جرى خلال محادثات الفريق شمس الكباشي نائب القائد العام وعضو السيادي شهر ابريل الماضي في جوبا مع رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو .
وامتدت افراح قلبي وانا اشاهد الصور عن وصول المساعدات المقدمة من دولة تركيا الى سكان شمال كردفان حيث مدينة الابيض الصابرة على حصار المليشيا / الدعم السريع وقصفها المتكرر على المدينة في تاكيد على ان ما يحدث هو (تجويع ممنهج) لتحقيق نصر باستسلام اعل المدينة ، لكن مع ذلك وصلت شاحنات الاغاثة التركية التي توزع بواسطة الاتراك انفسهم الى مدينة الابيض واظهرت الصور بريق الامتنان والفرح في عيون اهل المدينة المحاصرة بمثل ما فرح اهل مدينة كوستي وهم يستقبلون 7 شاحنات من منظمة اليونسيف تحمل ادوية ومكملات غذائية ايضا الى سكان المدينة المحاصرة والمتاثرة بالتجويع الممنهج بعد قطع طريق سنار – ربك الذي سيعود لخدمة اهل المنطقة في النيل الابيض بعد اعلان الجيش تنظيفه للقاعدة العسكرية في (جبل موية).
3
كانت كثير من نقاشاتي تدور مع اصدقائي في المنظمات الدولية عندما تتاح فرصة لقائنا او مهاتفاتنا حول ان ولايات السودان صارت تعاني كارثة مركبة بعد السيول والامطار الاخيرة وخاصة الولاية الشمالية التي تستضيف نحو مليون نازح ، وانها منسية بفعل انها خارج دائرة الحرب الفعلية ولكنها مجتمع مضيف للنازحين ، ولكن عندما شاهدت بالامس صور وصول المساعدات متمثلة في 3 شاحنات دقيق لمنطقة القولد من الاصدقاء في منظمة اليونسيف وكذلك وصول مئات من خيم الايواء الى مدينة وادي حلفا من قبل منظمة الهجرة الدولية لتلافي تاثيرات السيول على من فقدوا منازلهم نتيجة للسيول الاخيرة وقبلهم وصلت خيم الايواء ونصبت في ولاية القضارف لايواء النازحين من ولايات سنجة وسنار من قبل منظمة مجلس الكنائيس النرويجي .
4
اصبحت ثمرة التفاهمات التي قام بها القائد يوسف كرجكولا من حركة التحرير عبد الواحد وحركة التحرير المجلس الانتقالي قيادة طاهر حجر ، ظاهرة للعيان بعد وصول ثلاثة شاحنات من منظمة اطباء بلا حدود الى مستشفى معسكر زمزم للنازحين في الفاشر وهي المرة الاولى التي تدخل فيها مواد طبية للفاشر منذ نحو 6 اشهر من حصار التجويع الممنهج المفروض على سكان المدينة .
وماكان كل هذا الانفتاح ليتاتي الا بجهود قيمة من ابناء السودان والمحبين لشعبه في المنظمات الدولية والذي قابله اقصى درجة من المسؤلية الوطنية التي جسدتها لجنة الشؤون الانسانية وعلى راسها الفريق ابراهيم جابر عضو مجلس السيادة والتي تضم جميع الجهات الحكومية المتصلة بهذا الامر من مفوضية العون الانساني بقيادة سلوى ادم بنية ووزارات الخارجية والداخلية والمالية والجيش والامن ، حيث نجحت اللجنة في اظهار قدر عالي من المسؤلية الوطنية وهي توافق على فتح معبر ادري الحدودي الى جانب فتح طريق الدبة الى دارفور وكردفان الذي اوصل الاعانات الى ولايات كردفان والنيل الابيض ودارفور .
قيمة هذا الجهد الوطني تكمن في ان حكومة السودان ولجانها المتخصصة في الشان الانساني اظهرت روح عالية من المسؤلية تجاه الشعب وعدم استخدام حوجته لتحقيق مكسب سياسي بعكس الاخرين الذين يصمتون عن جرائم الحصار والتجويع والقصف وترتفع اصواتهم مطالبة بالذهاب الى جنيف ليس رافة بموطنيتا من اهلنا واهلهم ولكن يريدون تحقيق مكاسب تتعلق بمستقبل السودان السياسي دون اي اكتراث بواقع المواطن من تجويع وقصف عشوائي مستمر .
5
ان النجاحات والاشراقات التي تاتي من الشمالية والنيل الابيض وشمال كردفان والخرطوم والقضارف من انسياب للمساعدات جنب شعب وحكومة السودان الكثير من لشرور التي كانت يمكن تحيط بالوطن تحت لافتة (انقاذ السودان من المجاعة او غيرها من لافتات حماية المدنيين ) ولكن بفضل لجنة الشؤون الانسانية صارت امام المجتمع الدولي معضلة توفير التمويل لاستدامة الاغاثات الى شعب السودان وهي تحدي حقيقي امام هذه المنظمات الدولية وفي ذلك تشكر حكومة الولايات المتحدة لاستثناء السودان من المعيقات االقانونية التي تحول دون وصول الاموال الامريكية لاغاثة اهل السودان مباشرة ز
وتظل العقبة الكؤود هي تامين موظفي منظمات الاغاثة المحليين من القتل او الاختطاف حيث تحفل صفحات مواقع الاخبار بشبكات التواصل الاجتماعي باخبار اختطاف موظفين محليين يتبعون لبرنامج الغذاء العالمي في مناطق يسيطر عليها الدعم السريع اذا كان في دارفور او في ولاية شمال كردفان مثل ما نقلت الانباء ليل امس عن حادثة اختطاف جديدة في منطقة ام روابة شمال كردفان .
وتظل الكرة الان في معلب المنظمات الدولية لحشد الدعم المادي والعيني لاغاثة اهل السودان بعد ان استوفت الحكومة السودانية ممثلة في لجنة الشؤون الانسانية كل المطلوبات من جانبها بفتح المعابر وعقد الاتفاقات مع دول الجوار لاستخدام مطاراتها وتسهيل اجراءات منح التاشيرات وسرعتها وتخليص سفن الاغاثة بالسرعة المطلوبة وتسليمها للمنظمات المانحة ووكلاء المنظمات المحليين ، فهل سيوفي المجتمع الدولي بالتزاماته باجبار مليشيا / قوات الدعم السريع على السماح بالمرور الامن لشاحنات الاغاثة وعدم التعرض للموظفين المحليين .
والى ذلك الحين نرجو ان تعمل الدولة للقيام بواجباتها تجاه مواطننا السودانيين بنفس روح المسؤولية التي جعلتها تقدم على خطوة افتتاح المدارس وعودة قطار التعليم وتجنيب الاجيال القادمة تاثيرات فشلنا نحن الكبار في ادارة خلافتنا ما عرض مستقبلهم للخطر ، وبنفس الروح التي جعلت الحكومة توافق على فتح معبر ادري الحدودي واستخدام مطار جوبا مباشرة والتفاهمات حول معبر الرنك الحدودي باعتبار انها حكومة مسؤولة ولا تتاخر عن اي عمل يعين اهلنا السودانيين على مجابهة اثار الحرب التي تضرر منها التاريخ والحاضر والمستقبل الذي نتمناه سلاما عادلا منصفا للضحايا والى ذلك الحين يظل المثل الصالح لهكذا وضع ” ما حك جلدك مثل ظفرك”.
عمار عوض
Local Producer- Sudan
صحافي وكاتب تفرغ لمراقبة الانتقال والحرب وتاثيراتها على السودانيين
رئيس تحرير صحيفة الاكيدة الالكترونية