الرأي

الصبر.. مفتاح النجاح وتحقيق الأهداف في زمن التشتت

بقلم: د. أمجد عمر محمد

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتزاحم فيه المهام وتكثر فيه الملهيات، يصبح الصبر عملة نادرة، لكنه في الوقت ذاته مفتاح لا غنى عنه لكل من أراد أن يحقق هدفًا حقيقيًا ويصنع أثرًا دائمًا. الصبر ليس فقط شعورًا بالتحمل، بل هو سلوك متواصل وثابت يربط الحلم بالواقع، والخطة بالتنفيذ، والطموح بالنتائج.

لقد أولى الإسلام الصبر أهمية عظيمة، إذ قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين”، فالصبر لا يترك الإنسان وحده في معركته، بل يصحبه معية الله ولطفه. وقال أيضًا: “وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون”، فالصبر في جوهره ليس فقط على البلاء، بل هو في كل موقف يحتاج إلى ثبات وانضباط وتوازن.

في طريق الأهداف الكبرى، يمر الإنسان بمحطات من الشك، ومن الإغراء بالحلول السريعة، ومن التشتت الذي تسببه الأحداث العابرة. هنا يظهر دور الصبر كقيمة قيادية تساعد على الثبات، وعلى التمسك بالخطة التي وُضعت بعد تفكير عميق. الصبر يمنع العقل من الانجرار وراء العواطف اللحظية، ويمنح النفس قوة التحمل والاستمرار رغم تأخر النتائج أو كثرة العوائق.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا”، ففي هذا الحديث اختصارٌ لمسار الحياة العملية والإنسانية، فلا نصر دون صبر، ولا نجاح دون انتظار وثبات وتدرج. وليس من الصبر أن نغير أهدافنا في كل مرة تواجهنا فيها عقبة، أو أن نُعيد رسم خططنا كلما سمعنا بفكرة جديدة. الصبر يعني أن نُراجع، نعم، لكن دون أن نفقد التوازن أو الاتجاه.

إن تنفيذ الخطط، خصوصًا تلك التي تمتد لسنوات، يحتاج إلى نوع من الهدوء الداخلي الذي لا يتأثر بسهولة بما حوله. فالنتائج الكبيرة لا تُولد من قرارات متسرعة، وإنما من عمل هادئ ومتزن ومستمر. كل مرحلة من مراحل الخطة تحتاج إلى جهد، وربما تأخير، وربما تعديل، ولكن الصبر هو ما يجعلنا نُكمل الرحلة حتى النهاية.

الصبر أيضًا يعزز الثقة في النفس. من يصبر على الطريق يعرف جيدًا قيمة ما يسعى إليه، ولا يرضى بأن يتخلى عن هدفه من أجل لحظة راحة أو مجد مؤقت. وهو الذي يستطيع أن يُقاوم المقارنات السطحية مع الآخرين، لأن بوصلة الصابر تشير دومًا نحو الهدف، لا نحو الضجيج المحيط.

في النهاية، الصبر ليس ضعفًا ولا استسلامًا، بل هو وعيٌ بالمآلات، وفهمٌ عميق لطبيعة التغيير والنجاح. ومن سار على الدرب صابرًا، لن يعود خالي الوفاض، بل سيكون قد تربى في مدرسة الإرادة، ونال أجر الدنيا وثواب الآخرة. قال تعالى: “إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب”. ومن امتلك القدرة على ضبط نفسه والتمسك بخطته، سيبلغ غايته ولو بعد حين، فالصبر ليس خيارًا ثانويًا، بل هو شرط من شروط النجاح، ومن امتلكه، امتلك الطريق.

اترك رد

error: Content is protected !!