الرواية الأولى

نروي لتعرف

هموم وقضايا / السفير د. معاوية التوم

السديرة واقتراب ساعة الحسم الوطني: السودان يعيد تعريف سرديته للعالم!؟

السفير د. معاوية التوم


مقدمة

في لحظة يتقاطع فيها الميدان مع السياسة، وتتكامل فيها الإرادة الوطنية مع التحولات الدولية، جاءت رسائل الرئيس البرهان، القائد العام للقوات المسلحة من السديرة لتؤكد أن السودان دخل مرحلة استعادة زمام المبادرة وفرض سرديته على العالم. فعلى الرغم من تصاعد الأزمة الإنسانية واتساع موجات النزوح واللجوء، يحقق السودان تقدماً سياسياً ودبلوماسياً واضحاً، وتتكاثر الإدانات الغربية للمتمردين، بينما تتحرك الأمم المتحدة لوقف تدفق السلاح الخارجي الذي يغذّي التمرد في وحشية انتهاكاته، وتتكامل خيوط النصر القادم.
وسط هذا المشهد المنعطف، أعلن القائد العام حالة الاستنفار والتعبئة العامة، في خطوة أعادت ضبط المسار الوطني، وقطعت عملياً الطريق أمام أي مسار تفاوضي مع التمرد أو محاولات تعويمه أو اعادة إنتاجه تحت أي مسمى، ولا اولئك الذين يصطفون خلفه.
أولاً: استعادة السردية الوطنية ومحاصرة الدور الإماراتي
شهدت الأسابيع الأخيرة تحولاً نوعياً في كيفية تقديم السودان لروايته حول الحرب، واستعادة الدولة لموقعها في المشهد الدولي.لم تعد الإمارات قادرة على الهروب من الاتهامات التي تلاحقها، وتتراكم يوماً بعد يوم حول دورها في تمويل وتسليح ورعاية المتمردين، إذ أصبحت الصحافة الدولية ومراكز البحث والبرلمانات الغربية والحقوقيين، أكثر جرأة في كشف خيوط الدعم الخارجي. فهي تواجه حصارا دبلوماسياً واعلامياً له امتداد شعبيّ متجذر في نفوس أبناء أمتنا بحملات الإبادة التي شنّتها عليهم عبر الأداة الوظيفية لها. هذا التحول خلق زخماً سياسياً جديداً مكّن الخرطوم من إعادة القبضة على ملفها السيادي، وفرض رواية تستند إلى الحقائق والميدان والسند الشعبي وحتمية المدافعة ودحر العدو. وهكذا امتدت السردية الرسمية من الداخل إلى الخارج، لتصبح أكثر حضوراً وتأثيراً في العواصم الكبرى ومراكز صنع القرار.
ثانياً: الإدانات الدولية تتسع… الغرب وواشنطن وأوتاوا في الواجهة
التطور الأبرز كان صدور إدانات واضحة من المجموعة الاوربية والولايات المتحدة وكندا ضد ممارسات المليشيا، وهو ما قطع شوطاً كبيراً في عزل التمرد دولياً.
لم تكن هذه الإدانات مجرد مواقف سياسية، بل اعتراف ورسائل صريحة بأن المجتمع الدولي بدأ يرى المشهد بوضوح أكبر، ويعيد تقييم حساباته تجاه الحرب في السودان وآثارها من انتهاكات على المدنيين تغيب معها نظرية (الطرفانية)..
كما أن مجلس حقوق الإنسان اصدر ادانة واضحة للمليشيا و أعلن تشكيل لجنة تقصّي حقائق مستقلة،، خطوة تعزز تأطير الانتهاكات في سياق قانوني دولي، وتضع المتمردين ضمن دائرة المساءلة والعقوبات.
وازدادت أهمية هذا التطور حين دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف تدفق السلاح من الخارج إلى المليشيا، في إشارة مباشرة إلى الحدود المفتوحة والممرات والداعمين الذين يقفون خلف إطالة أمد الحرب، ليكتمل المشهد الدولي في الاحاطة بالتمرد.
ثالثاً: تفاقم الأزمة الإنسانية… ورغم ذلك تتقدم الدولة إلى الأمام
على الأرض، تواصلت موجات النزوح في عدة ولايات، والي العمق التشادي لجوءً. واشتدت أزمة الغذاء والمأوى والخدمات.لكن رغم ثقل الكارثة الإنسانية، أظهرت الدولة قدرة لافتة على إدارة الملفات المتوازية: القتال – الإغاثة – الدبلوماسية – وتثبيت السردية السياسية.
هذا التوازن بين المعركة ومقتضيات الوضع الإنساني هو ما جعل رسائل السديرة الرمزية أكثر قوة؛ إذ أوضحت الحكومة أنها قادرة على التعامل مع الحرب بآفاق واسعة، دون أن تنكسر أمام ضغوط الداخل أو الخارج.
رابعاً: إعلان السديرة… خطوة لقطع الطريق أمام تعويم التمرد
يمثل إعلان الاستنفار والتعبئة العامة من السديرة نقطة تحول سياسية وعسكرية.
هذا الإعلان ليس مجرد إجراء تعبوي، بل رمزية لقرار سيادي يعني:
• رفض أي حديث عن تسوية تقوم على إشراك المليشيا.
• الاستعداد للمرحلة النهائية من الحسم باستدامة السند الشعبي.
• تثبيت قواعد اللعبة وفقاً للرؤية السودانية ومحدداتها، لا وفقاً لضغوط الرباعية أو الوسطاء وقطع الطريق امام المشروع الاجنبي.
• تحصين الجبهة الداخلية ورفع مستوى الجاهزية الوطنية.
وبذلك، غدت السديرة رسالة بأن نعم… السودان منفتح على الوثائق الدولية والمبادرات، لكنه مغلق تماماً أمام أي مسار يساوي بين الدولة والتمرد.فبرنامج التعبئة والنفرة سيكون إرثا قوميا خالصا لقوات احتياطية مستدامة. تأخذ بتجارب الماضي، وتتجاوز الأخطاء فيها، وتعيد صياغتها وأدبياتها وتربطها بالعمل المدني المؤسساتي متى ما رحلت الحرب عن ديارنا.
خاتمة
السديرة لم تكن موقفاً عابراً، بل كانت إعلاناً لمرحلة جديدة.مرحلة يتقدم فيها السودان عسكرياً وسياسياً، ويحقق اختراقات دبلوماسية، ويُغلق الممرات التي حاولت قوى خارجية استغلالها لإعادة تشكيل المشهد الوطني.
وبالتوازي، يصعد الجيش من جاهزيته، ويتحرك المجتمع الدولي نحو محاسبة المتمردين، بينما تستعيد الدولة صوتها وسرديتها وثقتها بنفسها.
إن اقتراب ساعة الحسم الوطني ليست شعاراً، بل واقع تصنعه الخرطوم على الأرض، في السياسة، وفي المؤسسات الدولية.
وما بعد السديرة… لن يشبه ما قبلها؛ فهي بداية النهاية للتمرد، وبداية إعادة بناء الدولة على أسس السيادة والقرار الوطني المستقل.
هذه لحظة مفصلية من عمر الدولة السودانية، أبرزت السديرة التي طالتها وحشية التمرد بالانتهاكات والقتل، ظهرت كمنصة لإعلان استعادة زمام المبادرة. هنا، اختارت الدولة أن ترفع سقف رسائلها للداخل والخارج معاً: لا تفاوض مع المتمردين، لا مساومة على السيادة، او تفكيكها، ولا قبول بأي صيغة تُشرعن مليشيا مدعومة من الخارج.
وفي الوقت ذاته، وبينما تتفاقم الأزمة الإنسانية — نزوحاً وانهيارا في الـخدمات ومعاناة متصاعدة — فرض السودان سرديته الوطنية من جديد مستنداً إلى جملة متغيرات دولية: إدانات اوربية و أمريكية وكندية للتمرد، تحرك أممي لوقف تدفق السلاح، وإعلان مجلس حقوق الإنسان لجنة تقصّي حقائق لكشف الانتهاكات.
وسط هذا المشهد، تتحول السديرة من مجرد نقطة جغرافية على الخريطة إلى رمز لاستعادة الدولة هيبتها واستعدادها للحسم الوطني الكامل، واستعادة كل شبر من ترابنا الوطني من قبضة التمرد ، بتلاحم في الصف الوطني ونفرة تحرير قومية لن تقف إلا عند تخوم البلاد.
—————
١٦ نوفمبر ٢٠٢٥ م

اترك رد

error: Content is protected !!