الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة: مراجعة تاريخية في زمن الأزمات!؟

مقدمة
تختلف الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة عن سابقتها من حيث الجوهر. فالدورة التاسعة والسبعون (2024–2025) انشغلت بالاستجابات المباشرة للحرب في أوكرانيا وتداعيات المناخ والاقتصاد العالمي، بينما تأتي الدورة الجديدة وقد أضيفت إليها رمزية خاصة: إنها دورة الذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة. هذا البعد يجعلها أكثر من مجرد مناسبة سنوية، بل لحظة مراجعة كبرى لمسار الأمم المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، وفرصة لإعادة التفكير في مستقبلها وسط عالم يموج بالأزمات، من الشرق الأوسط وإفريقيا إلى آسيا وأوروبا.
السمات العامة
رمزية تاريخية: الذكرى الثمانون لتأسيس الأمم المتحدة تمنح الدورة بُعدًا خاصًا، إذ تتيح إعادة تقييم المسار وتحديد مدى قدرة المنظمة على الاستمرار كإطار جامع للتعددية الدولية.
• قيادة أوروبية برؤية إصلاحية: انتخاب وزيرة الخارجية الألمانية السابقة أنالينا بيربوك رئيسة للدورة يرمز إلى رغبة في الدفع بأجندة إصلاحية، في ظل انتقادات متكررة لبنية الأمم المتحدة وطرق عملها.
• شعار المناقشة العامة: تحت شعار “بالعمل معًا نحقق الأفضل: ثمانون عامًا وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان”، ستسعى المناقشات إلى إعادة وصل الخيوط بين الأبعاد الثلاثة التي طالما ارتبطت بهوية المنظمة: الأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان وتحقيق السلم الدولي.
الملفات الرئيسية
• السلام والأمن الدوليان: الحرب الممتدة في السودان، القضية الفلسطينية، الأزمة الليبية، والحرب في اليمن، إلى جانب الحرب في أوكرانيا، تشكل خلفية ضاغطة على أجندة الدورة.
• التنمية المستدامة: اجتماع “SDG Moment” يسعى إلى إنعاش مسار أهداف التنمية 2030 في ظل تفاقم الديون والأزمات الغذائية في إفريقيا.
• التغير المناخي: يفرض نفسه كملف عالمي ملح، حيث تطالب دول الجنوب بعدالة مناخية وتمويل كافٍ للتكيف مع تداعيات الأزمة ومسبباتها.
• حقوق الإنسان والمساواة: إحياء الذكرى الثلاثين لمؤتمر بكين للمرأة يسلط الضوء على قضية العدالة بين الجنسين.
الحوار الدولي رفيع المستوى والقطاع الخاص
إلى جانب خطابات القادة، تشهد الدورة سلسلة من الحوارات والقمم المصاحبة رفيعة المستوى، والتي تمنح الدورة بعدًا عمليًا:
• قمة الالتزام العالمي (Global Compact Leaders Summit): أبرز منصة لتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية المستدامة، حيث يعرض قادة الأعمال مبادراتهم لدعم أهداف الأمم المتحدة، خصوصًا في الدول التي تواجه أزمات اقتصادية وإنسانية.
• تكامل القطاع الخاص مع أهداف التنمية: يبرز في هذه الدورة تركيز جديد على شراكة القطاع الخاص مع الحكومات والمجتمع المدني لتطوير حلول مبتكرة للجوع والفقر والتغير المناخي، مع إشارات واضحة إلى إفريقيا والشرق الأوسط كأكثر المناطق احتياجًا للتمويل والاستثمارات المستدامة.
• حوارات المناخ والتمويل: يشارك القطاع الخاص في صياغة آليات التمويل المناخي والاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية، في محاولة لخلق حلقة تفاعل بين المسؤولية الاجتماعية والمصلحة الاقتصادية.
جدير بالذكر أن أهمية الدورة الثمانين لا تقتصر على خطابات القادة، بل تتجلى أيضًا في سلسلة الحوارات والقمم المصاحبة:
• قمة الالتزام العالمي لمناقشة دور القطاع الخاص في التنمية.
• اجتماع التنمية المستدامة (SDG Moment) لتسريع تنفيذ الأهداف.
• اجتماع بكين+30 لإعادة الالتزام بالمساواة بين الجنسين.
• حوار المناخ والعمل البيئي حول التمويل والعدالة المناخية.
• اجتماع خاص بالذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية للتذكير بدروس الماضي.
ما يميز الدورة 80 عن 79
إذا كانت الدورة التاسعة والسبعون قد اتسمت بطابع دفاعي يركز على الاستجابة لأزمات آنية، فإن الدورة الثمانين تطرح نفسها كـ منعطف استراتيجي، يجمع بين المراجعة التاريخية وإطلاق مبادرات إصلاحية. وتبرز هنا مبادرة “UN80” التي طرحها الأمين العام أنطونيو غوتيريش لتطوير عمل المنظمة وتجاوز مشكلات التمويل والبيروقراطية.
إفريقيا والشرق الأوسط في صدارة المشهد
لن تغيب القضايا الإقليمية عن دائرة الضوء، خصوصًا أن إفريقيا والشرق الأوسط يقدمان أمثلة حية على معضلات النظام الدولي:
• السودان كنموذج لحروب الداخل التي تهدد الأمن الإقليمي.التركيز على أزمات الهامش العالمي: السودان، فلسطين، ليبيا، واليمن، لتأكيد قدرة الأمم المتحدة على التدخل بفاعلية في ملفات إقليمية بات اكثر إلحاحا في سلم الاقليم . الي جانب التطورات في كل من سوريا ولبنان.
• فلسطين كقضية ممتدة تتجاوز بعدها السياسي إلى كونها اختبارًا لصدقية القانون الدولي في ظل التداعيات اليومية لهذا الصراع وتطوراته.
• ليبيا واليمن كحالتين تعكسان تعقيدات ما بعد الانتقال السياسي.
إدراج هذه الملفات في المناقشات لا يعكس فقط أهميتها الإقليمية، بل يوضح أيضًا أن الأمم المتحدة تواجه اختبارًا حقيقيًا في التعامل مع أزمات ليست بعيدة عن شعارات تأسيسها قبل ثمانين عامًا.
خاتمة
إن الدورة الثمانين للجمعية العامة ليست بروتوكولًا احتفاليًا بثمانية عقود من العمل الدولي، بل محطة مراجعة وتجديد في آن واحد. فهي مطالبة بالإجابة عن سؤال جوهري: هل ما زالت الأمم المتحدة قادرة على أن تكون منبرًا جامعًا للتعددية الدولية، أم أن قراراتها ستظل أسيرة موازين القوى الكبرى؟ وبينما تنتظر شعوب إفريقيا والشرق الأوسط من المنظمة أفعالًا لا أقوالًا، تبقى الأنظار معلقة بما إذا كانت هذه الدورة ستدشن بداية مرحلة أكثر فاعلية، أم ستكتفي بترديد شعارات الماضي في زمن لا يحتمل التكرار، واجترار الماسيّ وحالة الفشل في قضايا الاستقرار والسلام وبروز ارادة القوة المادية والعسكرية كأبرز ملمح للتحولات في معادلات السلام ومساراته الاقليمية والدولية .
⸻
٢٧ اغسطس ٢٠٢٥م