يدخل الجيش السوداني العام السبعين من عمره وهو أكثر تطوراً وحداثة وعراقة وأهم من ذلك أن اسمه (قوات الشعب المسلحة) أعمق تعبيراً عن حاله اليوم للالتفاف الشعبي منقطع النظير حوله ؛وليس أغلى من أن يقدم الشعب للجيش أرواحه تطوعاً وفداءاً.
كثيرون لم يتفكرو في الاستهداف الممنهج للقوات المسلحة منذ سقوط نظام الإنقاذ ؛كان واضحاً أن المقصود بالهتاف المتردد على ألسنة الشباب الموجه في الثورة المختطفة أو المصنوعة أو كلا الصفتين ( معليش معليش ما عندنا جيش ) ليس مجرد هتاف عابر أو إساءة مقصودة من قوى سياسية ترى في الجيش منافسا لها على السلطة أو تخشى حيلولته دون مبتغاها في تطاول أمد الحكم دون تفويضها إنتخابيا من الشعب ؛بل كان أكثر من ذلك بكثير إنفاذا لمخططات أجنبية تسعى لتفكيك القوات المسلحة وتتخذ لذلك مسمى مخادعا ( إصلاح المؤسسة العسكرية ) لكنه في حقيقته إفساد للمؤسسة العسكرية بالقضاء عليها والاستعاضة عنها بمليشيا الدعم السريع الحالية وقوات الحركات المسلحة الرافضة للسلام لتكون مطية لتنفيذ المخططات الأجنبية الأكثر عمقاً وعنفا وخطورة بإخضاع السودان للرغبة الغربية في (التغريب الثقافي والأيدلوجي ) وتفكيك عرى المجتمع وتشكيل سلطة علمانية متطرفة في معاداتها للقيم الوطنية والإسلامية واتباع النماذج الغربية في الاعتقاد و الاقتصاد والاجتماع وأنماط الحياة وإن لم تفلح في ذلك فاللجوء فوراً إلى خطة تفكيكه لإضعافه ومنع أي دور له ناتج عن الموقع الجيوإستراتيجي أو العقدي والحيلولة دون استقراره واستغلاله لموارده الطبيعية الضخمة .
القوات المسلحة والقوات النظامية هي من أهم ممسكات الوحدة الوطنية فسيادة حكم القانون وإنفاذه تقتضي الحفاظ على كيان القوات النظامية إلى جانب أجهزة وقيم العدالة لمنع الفوضى المؤدية للاحتراب والتفكك الذي يمهد للانهيار ؛كما أن غياب جيش وطني ذي تاريخ عريق ومعروف تنصهر فيه كل مكونات الشعب المجتمعية والأيدلوجية يتيح الفرصة ليس لتعريض سيادة البلاد للانتهاك فقط بل للاحتلال والاستعمار الجديد عبر الحرب بالوكالة .
حاشية :
يتساءل البعض عن جدوى منبر جنيف الذي انطلق في يوم سبعينية الجيش رغم غياب من يمثله أو يمثل سلطة مجلس السيادة فيه ؛فهل تم تصميم منبر جنيف لإحلال السلام في السودان أصلاً ؟ سؤال يحتاج إلى سؤال رديف له للإجابة عليه : لماذا تم تأسيس منبر جدة ولماذا تم الاستغناء عنه الآن ومحاولة الاستعاضة عنه بجنيف ؟ لم يكن تأسيس منبر جدة عقب أيام معدودات من اندلاع تمرد الدعم السريع في السودان بغرض الوصول إلى حلول نهائية لكن هدفه كان توفير الحماية الدبلوماسية والحيلولة دون تدخل مجلس الأمن الدولي والمؤسسات الإقليمية والدولية لإثناء القوات المتمردة عن مشروعها أو إعاقة مجهودها الحربي بأي عقوبات أو إدانة في انتظار أن تحسم قوات التمرد الأمر في حدود أسابيع معدودة ويستقر الأمر برمته وسلطته لها ولحاضنتها السياسية لذا ارتضوا ألا يكون للحاضنة وجود في المفاوضات وألا تناقش الأوضاع السياسية في جدة كتكتيك لأنهم أعدوا لما بعد انتصار التمرد الخطط بل وقسموا الحقائب والمناصب .
لماذا يتم الاستغناء عن منبر جدة اليوم ؟ لأن ما تم قبوله من إملاءات على الدعم السريع وكان تكتيكيا لسرقة الوقت يصعب عليهم تنفيذه الآن ؛الآن وقد أصبح انتصار التمرد مستحيلا ويستحيل معه تنفيذه تعهداته لأن في ذلك إعتراف رسمي بهزيمته وتسليم الأمور للقوات المسلحة والتسليم بخيارات الشعب السوداني فيما بعد الحرب التي بات انتصار القوات المسلحة فيها ظاهراً للعيان .أما منبر جنيف فهو بمثابة تغيير في التوجه من أجل التملص عن تنفيذ ما كان في جدة إلا إذا كان يفضي إلى الغرض من منبر جنيف وهو استعادة دور الحاضنة السياسية للمليشيا وإدخالها في معادلة السلطة الانتقالية تحت مسمى القوى المدنية واستعادة الحكم المدني ومن دون انتخابات حتى لو أدى ذلك إلى إدانة الدعم السريع أو فرض أي عقوبات عليه طالما أنه فشل في تسليم السودان للمستعمر وعملائه عسكريا وتلطخت سمعته ورفضته غالبية الشعب فقد استنفد أغراضه بالنسبة لهم ويسعون لاستبداله باللاعب السياسي قحت الذي يرتدي فانيلة القوى المدنية تقدم مثلما يغير مدرب الفريق لاعباً بلاعب في آخر دقائق المباراة وفريقه مهزوم بفارق كبير في الأهداف عشما في إحراز هدف .بيد أن الشعب السوداني لم يكن ليتحمل كل هذه التحديات والمعاناة ليصوم ويفطر على بصلة الإطاري .وهاهو الشعب يملي أجندته على الجميع ولن يترك فرصة لاختطاف اسمه ومصيره .