الرواية الأولى

نروي لتعرف

جذور و أوراق / موفق عبدالرحمن

-التنوع الثقافي والهوية الراسخة_ _مفتاح الإبداع والتماسك الاجتماعي .

موفق عبدالرحمن محمد




بالاشارة لمقالي السابق والذي أكدت في سياقه على ان التنوع الثقافي ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة ، بل هو مصدر الثراء و الإبداع في آن واحد _ و يمثل المرآة التي تعكس تعدّد سُبُل الفهم والتعبير عن الحياة ، ومكتبة ضخمة لخلاصة تجارب الإنسانية _
ولا يكمن جوهر أهميتة في اختلافِ المظاهر فحسب _ بل في كونه نبع متجدد للمعرفة ومحرّك رئيسي للتنمية المستدامة والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب .

أما الهوية الثقافية _ فهي ليست مجرد مجموعة من العادات والتقاليد _ بل هي الوعي العميق بالذاتِ الجمعية والمرتكز الروحي والفكري للأمم والشعوب .
و​تُعدّ الهوية الثقافية بمثابة الجذور الضاربة في أرض التاريخ _ وتمثل بذلك الإطار المرجعي الذي يوحد الافراد تحت مظلة الوعي الجمعي المشترك .
​وهي كذلك تمنح الفرد الشعور العميق بالانتماء والأمان النفسي ،
​كما تحمل بطبيعة الحال في طياتها خلاصة تجارب الأجيال وحِكمتهم في التعاملِ مع تحديات الحياة ، وهذا ما يمثل رصيد معرفي قيِّم يُستفاد منه في بناء المستقبل .
​واشير هنا لجانب بدرجة عالية من الأهمية وهو التاكيد على ان المجتمع الذي يُدرك هويتَه يستطيع ان يُقدم للعالم إسهام أصيل دون تقليد باهت للآخر وهذا من شأنه ان يُعزز من مكانته واحترامه العالمي .

وتوفر كذلك معرفة الهوية الثقافية حصانة ضد محاولات طمس الخصوصية الثقافية وهي بذلك تحمي الأجيال من فقدان المرجعية والذي يقود إلى حالة من التيه والهشاشة الاجتماعية والانسلاخ عن الجذور .

​بكل ما اوردته في هذا السياق يمكنني القول بان الهوية الثقافية هي طاقة الحاضر واداة التماسك وضمان المستقبل الراسخ والمُبدع .
لذلك _ فإنَّ المحافظة عليها ضرورة وجودية للحفاظ على الأصالة والاستقلال الفكري ومنبع للكرامة والعطاء .

وهنا ارجو ان اشير الى ان التحدي الحقيقي لا يَكمن في الاختيار بين التنوع أو الهوية _ بل في صنعِ التوازن السامي بينهما .
فالمجتمع القوي والمتماسكُ هو الذي يرتكز على هوية ثقافية راسخة وواثقة _ وفي الوقت ذاته ، يمتلكُ القدرة الواعية على الانفتاح والتفاعل الواعي مع الثقافات الأخرى ، هذا التوازن هو مفتاح قوة المجتمع وسلامة بنائه _ حينها تصبح الهوية المُنطلق _ ويتحول التنوع من مصدر شقاق محتمل إلى طاقة إيجابية بقيمة مضافة ،
فهو بذلك انفتاح واعي يُثري الذات دون تميبع ، ويأخذ من الآخر ما يُضيف إلى صرحهِ دون أنْ يُناقض أساسه ، ليظل المجتمع كالشجرة جذورُها ثابتة في الأرض وفروعُها تُعانق سماء الكون الرحب بثقة وحكمة .

اترك رد

error: Content is protected !!