الرواية الأولى

نروي لتعرف

من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

التداعي الوطني على وحدة السودان

ما انفك السودان من أزمة حتى عصفت به أزمة أخرى، لتعيده إلى مربع الصراعات حول المناصب والمحاصصات، وهي أساس حالة الاختناق التي عاشها السودان منذ ما بعد استقلاله في العام 1956م وحتى اليوم. فأصبح الفعل النضالي مطية يركبها كل من أراد الولوج إلى السلطة، حتى وإن لم يكن أهلاً لها، فسادت المفاهيم الخاطئة، واختلط الحابل بالنابل، وبددت الجهود تجاه قيام دولة مؤسسية تمكن شعبها من العيش الكريم وتصنع له المجد من ثرواته، ليكون شامخًا وسط شعوب العالم.

فبالنظر إلى تاريخ السودان الحافل بالنزاعات، سواء كانت سياسية أو مسلحة، نجد أن جميع العمليات التفاوضية قد حوت في بنودها بنود المقايضات، وليس بنودًا للسلام، فالسلام بعيد كل البعد عن هذه البنود؛ إذ لا يأتي بالمقايضات، وإنما يأتي من خلال استكمال دعائمه المتمثلة في قيام دولة مؤسسية تراعي حقوق الجماعة والفرد في آنٍ واحد.

ما زلنا كسودانيين بعيدين كل البعد عن مسار التأسيس الفعلي للدولة السودانية دولة المؤسسات، وذلك نظرًا لوجود مفهوم الإقطاعيات المتجذر فينا؛ فالكل ينظر إلى السودان على أنه تلك البقرة الحلوب التي ستغنيه من الجوع، دون النظر إلى حاجتها من الطعام، فقط تناول ما تنتجه من خيرات. إذاً، ماذا يفرقنا كسودانيين عن البغاة الذين يريدون السيطرة على خيرات بلدنا؟ هذا سؤال يجب أن نسأله لأنفسنا قبل أن تأزف الآزفة، وأن نستفيد من الدروس التي قدمت لنا في طبق من ذهب مما يدور حولنا من أحداث، وحتى الدروس السابقة في عمر السودان.

يا سادة، السودان يحتاج إلى أيادٍ بيضاء، ويحتاج إلى تكاتف الجميع من أجله تفضيلاً للمصلحة العليا. أما دون ذلك، فستذهب ريحكم، ويشتت شملكم، وتتخاطفكم الطيور من كل حدب. فإن عدم قدرة الأطراف في الساحة السودانية على توحيد الأهداف تفضيلاً للمصالحة العليا، ودخول الأجندات الخارجية، قد تسبب في إحداث حالة من التشوهات أثرت بدورها على العملية السياسية وعملية صناعة دولة مؤسسية قادرة على مواجهة التحديات. لذلك، شهد السودان إجهاض التجربة الديمقراطية فيه ثلاث مرات متتالية *(1958م، 1965م، 1986م)، كما وولدت مبررات أدت إلى انبثاق ظاهرة العنف المسلح في السودان، الذي تلته حالة من الاستقطاب الحاد والمنافسة على السلطة عبر مختلف الأدوات، وصولًا إلى العنف المسلح، وكل ذلك لتحقيق التغيير السياسي وليس تحقيقًا لمصلحة الشعب السوداني الذي كان جل همه أن تكون لديه دولة قادرة علي توفير الأمن و الأمان و العيش الكريم له.

والآن، وبعد كل الذي شهده الشعب السوداني من تحديات كبرى في عمق بنائه المجتمعي، بدأنا مرةً أخرى نشاهد تدويرًا لنفس الأخطاء والاختلافات التي شابت عملية بناء الدولة السودانية منذ تاريخ ولادتها في 1956م، وذلك باتباع المناهج القديمة من عدم الاعتراف بالآخر، والإقصاء، والتعصب الأيديولوجي، وكل ذلك من أجل الحصول على استقطاعات لمصلحة مجموعة أو أخرى، متناسين ما نحن فيه من تحديات جراء حالة العدوان التي شُنت على السودان وشعبه.

يا سادة قومي، ويا عقلاءه! السودان لا يحتاج إلا لمن يؤمن به وبشعبه ليننهض. السودان لا تنقصه العقول، ولا الحقول، ولا الموارد ولا القيادة الان. فنحن لا نحتاج سوءا الإرادة و التكاتف لبناءه وجعله في مصاف الدول. لذلك، توحدوا على الهدف، وضعوا أيديكم في أيدي بعضكم البعض، وأخلصوا النوايا تجاه نهضة بلدكم. فإن التحديات جسام، والتوقيت قد حان لقيام الدولة السودانية التي نحلم بها جميعاً. الآن، الشعب متوحد تجاه وحدة الدولة السودانية وخلف قواته المسلحة، وقد تم تسديد الضربة القاضية في خاصرة مشروع هدم السودان بشغل منصب رئيس الوزراء، وهذا من شأنه أن يضعنا أمام أكبر تحدٍّ في تاريخنا كشعب سوداني: أن نكون أو لا نكون.

ولذلك، في هذه المرحلة والمراحل التي تليها، يتوجب علينا ممارسة أعلى درجات ضبط النفس لجميع من هم على الساحة السودانية من القوى الصلبة، وإخضاع كامل مشاريعنا لهدف وغاية واحدة، وهي استعادة سيادة الدولة السودانية من خلال عملية الإصلاح الكامل للمؤسسات السودانية ، وليكن عنوان المرحلة التنسيق وضرب بذور الفتنة التي كانت الأساس في ضرب الوحدة الداخلية وتشتيت الصف الوطني. وليعمل الجميع وفقًا للأجندة الوطنية، والتي إذا توحدت القوى الصلبة في تنفيذها، سلمنا وسلم الوطن.

محمد الحاج

اترك رد

error: Content is protected !!