إضراب موظفي البنوك يؤدي إلى شلل في الحركة الاقتصادية عموماً، وفي التعاملات المصرفية على وجه التحديد..سواء شمل هذا الإضراب مجموعة من البنوك أو حتى بنكاً واحداً .
ولأن البنوك في السودان ذات خصوصية ، ولها ظروف معلومة للجميع؛ فإن سلاح الإضراب والتوقف عن العمل له تأثيرات سلبية، خصوصاً في الوضع الراهن حيث تعاني البلاد من حالة شلل عام.
الأيام الماضية انشغل الناس بالإضراب الذي نفذه موظفو بنك الخرطوم؛ حيث توقفت حركة التعاملات والتحويلات والمقاصة والخدمات البنكية عبر معظم فروع البنك، الأمر الذي قاد إدارة البنك للإعلان عن وظائف لسد الفراغ.
لا شك أن مطالبة الموظفين بتحسين أوضاعهم المادية أمر مشروع مع الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكلفة المعيشة، وأن الضغط على الإدارة بما يحقق هذه المطالب أيضاً يعد أمراً لا غضاضة فيه ، طالما أنه لا يوقع أضراراً بالأطراف الأخرى .
إضراب العاملين ببنك الخرطوم يجب ألا يتجاوز الحد الفاصل بين مشروعية المطالب والإضرار بجمهور المتعاملين مع البنك..فتوقف الخدمة المصرفية لاشك أنها تتسبب في أضرار كبيرة؛ خاصة في التحويلات التي يعتمد عليها كثيرون للعلاج والدراسة ، وفي الدفع لمصاريف الإعاشة اليومية..
الإضراب المفتوح سلاح يتضرر منه البنك كمؤسسة اقتصادية و العملاء، كما تتعطل مصالح شرائح كبيرة في المجتمع. ويتضرر منه الموظفون أنفسهم بالمساهمة في إضعاف البنك وهروب عملائه. والضرر الكبير أيضاً على أصحاب الأموال والمودعين، خاصة في بنك كبير كبنك الخرطوم.
كذلك اختيار التوقيت من العوامل التي من الممكن أن تقلل من الأضرار .. العاملون ببنك الخرطوم نفذوا إضرابهم في توقيت تزامن مع نهاية شهر ديسمبر؛ و تقفيل ميزانيات العام المالي وهو توقيت حساس للغاية ومعلوم لكل من له علاقة بالعمل المصرفي، إضافة إلى أن الإضراب لم ياتِ بسابق إنذار أي أن الإضراب فعلياً تم تنفيذه ثم بدأت المطالب..
وتواصل الإضراب الى بداية العام و الشهر وصرف المرتبات، الأمر الذي أحدث ربكة كبيرة واحتجاجاً من عدد كبير من المتعاملين مع البنك، أظهرته مقاطع فديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي..مما جعل البعض يرى بعدم قانونية هذه الطريقة، وعدوه نوعاً من الابتزاز؛ لأن الوضع الطبيعي أن تقدم المطالب اولاً ومن بعد يعلن عن الإضراب .
الدخول في الحوار هو الأفضل لكل الأطراف ..لا ضرر ولا ضرار..وهي مناشدة يطلقها العقلاء وصولاً إلى الحقوق بما يخدم المطالب المرفوعة ولا يعرض البنك للمخاطر.
من المهم البعد عن التعنت ورفع السقف بما يجعل المطالب تعجيزية ومن الصعب تحقيقها ..فالأوضاع المالية للبنوك وتأثرها بالأزمة الاقتصادية في السودان وفي العالم بسبب جائحة كورونا أضعف من مقدراتها المالية ومن رؤوس أموالها المتآكلة بسبب التضخم ، وارتفاع سعر الصرف.
الآن معظم البنوك تصارع من أجل البقاء وهي مهددة بالخروج من السوق. وأي ضغوطات مالية كبيرة قد تكون أكبر بكثير من طاقة تحملها، لكن هذا لا يعني، بالطبع، عدم الاستجابة لمطالب العاملين في حدود إمكانيات المصارف، وهو أمر يمكن التوافق حوله بالحوار والتفاهمات والتفاوض بين الإدارة والعاملين.
اطلعت على خطاب صادر عن المدير العام يوم الثلاثاء ٤/يناير أعتقد أنه كان موضوعياً في طرح الحلول وصولاً لتفاهمات مع العاملين.
مدير البنك، وبحسب الخطاب، قال إنه تم الجلوس والتواصل مع أعضاء من لجنة المبادرة يوم الاثنين ٣/يناير وممثلين عن الإدارة أسفرت عن التوصل إلى رفع الإضراب الثلاثاء ٤ يناير، تأكيداً لمبدأ حسن النية، كما تم تكوين لجنة للنظر في أمر الذين تم فصلهم، والوصول لحلول خلال أسبوعين، إضافة إلى الإشارة بأن الإدارة ستعمل على الانتهاء من الهيكل الراتبي الجديد والحصول على موافقة مجلس الإدارة خلال شهر يناير.
خطاب المدير أشار أيضاً إلى دور العاملين في البنك في عمليات التطوير طيلة السنوات الماضية . كما أشار إلى حقهم في المطالب غير أنه نوه إلى تباين الرؤى بين الإدارة والعاملين ليس في المطالب، ولكن في طريقة التعبير عن عدم الرضا في إشارة للأسلوب الذي تم به تنفيذ الإضراب قبل مناقشة المطالب أو حتى عرضها بصورة رسمية والجلوس مع الإدارة لمناقشتها. كما تعهد بأن يكون راتب موظف بنك الخرطوم هو الأعلى في القطاع المصرفي، لا سيما البنوك المماثلة له هيكلياً.
لكن ظهر بيان يحمل “اسم العاملين” في مساء نفس اليوم نفى أي تواصل مع الإدارة ودعا لمواصلة الإضراب .
من المهم جداً طي هذا الخلاف بما يحقق مصالح الجميع ويرفع الضرر الذي لحق بعملاء البنك.