اقتصاد ما بعد الحرب سوف يكون مختلفاً جذرياً عن ما قبلها، ذلك لأن الحرب خلفت دمارا هائلا يستدعي إعادة البناء والإعمار من جديد. السياسات الاقتصادية والمالية ينبغي أن تتحول لمصلحة اقتصاد يكون للدولة فيه الدور الرائد والأكبر ، لا نطلب هنا عودة الدولة للسيطرة على وسائل الإنتاج وفق الفكر الاشتراكي ، ولا لسياسات التأميم والمصادرة التي طبقت اوائل سبيعينيات القرن الماضي عندنا فأدت لكارثة اقتصادية. ندعو لنموذج اقرب لما تطبقه الصين حالياً، قطاع خاص حر تتاح له الفرص داخليا وخارجياً ، مع وجود مؤسسات دولة اقتصادية قوية توجه الاقتصاد نحو الأهداف الوطنية. ونضرب مثالا على ذلك: صادرات الثروة الحيوانية، يمكن للسودان أن يحقق عائدات مهمة من هذا القطاع إذا ما تم تكوين شركة مساهمة عامة لصادرات الثروة الحيوانية: مواشي حية ولحوم وجلود ومنتجات أخرى، تساهم الدولة في البداية بنسبة كبيرة في رأسمالها 70% مثلا تتناقص تدريجيا لمصلحة القطاع الخاص الوطني. مثل هذه الشركة يكون لها القدرة على توفير العناية البيطرية والخدمات الأخرى للقطاع، وتنظيم الأسواق المحلية، وفتح الأسواق الخارجية واستدامتها، واستعادة عائدات الصادر للاقتصاد الوطني. على أن تكون إدارة مثل هذه الشركة إدارة احترافية على مستوى دولي، تتبع معايير الحوكمة العالمية، حتى لا تتكرر تجربة شركة الشاي وشركة الصمغ العربي وغيرها من الشركات الحكومية التي فشلت في تحقيق أهدافها. وعلى هذا المثال نكوّن شركة للصادرات الزراعية وأخرى للصادرات البستانية، وشركة قوية لصادرات الثروة المعدنية، بالتركيز على الذهب ، ليس على غرار النموذج الحالي حيث مهمة الشركة إشرافية، لكن شركة مسيطرة على القطاع تماماً مع منح المعدنين من الأهالي حقوقهم كاملة حسب السعر العالمي. في مرحلة ما بعد الحرب نحتاج لاستثمارات خارجية كبيرة، استثمارات شركات دول مثل سي إن بي سي الصينية، أو الشركة الهندية أو شركات الجيش المصري في مجال الإنشاءات والطرق والكباري حيث لا تتخوف مثل هذه الشركات من العمل في بيئات غير آمنة لأنها شركات تعمل لتحقيق أهداف استراتيجية ، ولنا تجربة مع شركة سي إن بي سي الصينية التي عملت في مجال البترول السوداني في مناطق كانت الحرب مشتعلة فيها ما بين الجيش السوداني وجيش الحركة الشعبية فلم تتخوف من العمل في بيئة هشة أمنياً. نحتاج أيضاً في هذه المرحلة لكوادر مؤهلة تأهيلا عاليا في الوزارات الاقتصادية خصوصاً وزارة المالية ووزارة الصناعة ووزارة التجارة ووزارة الاستثمار، لأن تطبيق قوانين مهمة مثل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وقانون الاستثمار، وقانون التعاون يحتاج لكوادر مؤهلة ذات كفاءة عالية ، وفي هذا المجال يمكن الإعتماد على الفرص المتاحة للتدريب في جمهورية مصر العربية ، والله الموفق.