
في الاعمدة السابقة من آفاق رقمية تناولنا أهمية التحول الرقمي في إعادة بناء السودان ما بعد الحرب، واليوم نقف عند فاعل مهم في هذا البناء، وهو دور المؤسسات الدولية والإقليمية التي تلعب دورا محوريا في دعم جهود الرقمنة حول العالم.
فالتحول الرقمي لم يعد خيارا محليا، بل أصبح قضية عابرة للحدود، تتقاطع فيها مصالح الدول ومشروعات التنمية مع استراتيجيات التعاون الدولي. ومن أبرز أدوات هذا التعاون ما يعرف بـمؤشر الحكومة الإلكترونية الذي يصدر عن الأمم المتحدة دوريا، وهو مؤشر يقيس جاهزية الدول للتحول الرقمي عبر ثلاثة أبعاد رئيسية. البنية التحتية للاتصالات، القدرات البشرية، والخدمات الحكومية الرقمية. وقد أصبح هذا المؤشر مرجعا عالميا للحكومات لتقييم أدائها وتحديد الفجوات التي تعيق تقدمها.
ومن بين أبرز المنظمات التي ساهمت في دعم هذه الجهود في منطقتنا تأتي لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، التي عملت على تطوير مبادرات لقياس التحول الرقمي في الوطن العربي، وإقامة ورش عمل ومؤتمرات تدريبية. السودان كان حاضرا في هذه الأنشطة، واستفاد من برامج هدفت إلى تأهيل الكوادر الوطنية وبناء قدرات تقنية وإدارية تساعد في رسم استراتيجيات رقمية أكثر نضجا.
إن الاستفادة من خبرات الإسكوا وغيرها من المؤسسات الدولية لا تعني مجرد حضور ورش عمل أو الحصول على دراسات جاهزة، بل تعني القدرة على مواءمة هذه الخبرات مع السياق الوطني، وتوظيفها لبناء مؤسسات أكثر كفاءة، وتطوير خدمات حكومية مرنة وشفافة.
اليوم، ونحن نبحث عن سبل لإعادة بناء السودان بعد الحرب، يصبح التحول الرقمي أداة مركزية لإعادة الثقة بين المواطن والدولة، ودمج السودان في المشهد الإقليمي والدولي. وهنا يبرز دور المؤسسات الدولية والإقليمية كشريك معرفي واستراتيجي لا غنى عنه.
فالطريق طويل، لكنه ليس مستحيلا. وما بين تجارب الدول المختلفة وأدوات القياس العالمية ودعم المؤسسات الإقليمية، يمتلك السودان فرصة سانحة لصياغة نموذج وطني للتحول الرقمي يضع الإنسان في قلب المعادلة.
في العمود القادم نتناول أمثلة عملية لبرامج إقليمية ودولية يمكن للسودان أن يشارك فيها بخبراء وطنيين بهدف نقل الخبرة والتجارب والوقت لا يسمح لإعادة صناعة العجلة في عهد الذكاء الاصطناعي.
٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥م